فالظن على ما جاء في النصوص متفاوت جداً بين اليقين والاحتمال الراجح والشك والوهم وكونه لا يغني من الحق شيئاً وكونه أكذب الحديث.
والمراد به هنا الاحتمال الراجح وذلك أن الخبر إما أن لا يحتمل النقيض وهو العلم، أو يحتمله مع الرجحان وهو الظن، أو مع المساواة وهو الشك، أو مع المرجوحية وهو الوهم.
وإذا استحضرنا ما ذكرناه سابقاً عن أئمة التحقيق: شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وابن رجب وابن باز وغيرهم مما لم نذكره وقلنا بأن ما دون المتواتر مما لم يتلق بالقبول ولم تحتف به قرينة وقلنا بأن الآحاد تثبت بها العقائد كغيرها من أبواب الدين ولا فرق كما تقدم نقله عن شيخ الإسلام وابن القيم رحمهما الله فما المانع من ذلك؟
ثم تناول الكتاب المذكور بعض كتب المصطلح بالنقد:
فذكر المحدث الفاصل وأشاد به ثم قال: غير أنه فقير في باب أقسام الحديث وشرح مصطلحاته حيث لم يكن ذلك من أغراض مصنفه.
ثم ذكر كتاب الحاكم معرفة علوم الحديث، وذكر أنه مختص بما كان أهمله كتاب الرامهرمزي من الاعتناء بمصطلح الحديث وشرح معناه وضرب الأمثلة له، وقد سار في ذلك كله على فهم أهل الحديث أنفسهم، لأن الحاكم يعلم أن غير أهل هذا العلم وغير أهل الصنعة وغير المتبحر في صنعة الحديث غير الفرسان نقّاد الحديث، لا يفقه هذا العلم كما كان يعبر الحاكم بذلك كثيراً.
وعلى هذا المنهج نفسه في الأغلب صنَّف الحافظ أبو نعيم الأصبهاني مستخرجة على معرفة علوم الحديث للحاكم، لأن طبيعة المستخرجات تلزم بذلك.
ثم تحدث عن الخطيب ومؤلفاته ثم قال:
فهل سار الخطيب على المنهج السليم في شرح مصطلح الحديث؟
يجيب عن ذلك الخطيب نفسه في مقدمة الكفاية من حين ذِكره لسبب تصنيفه له حيث يقول: وقد استفرغت طائفة من أهل زماننا وسعها في كتب الحديث والمثابرة على جمعه من غير أن يسلكوا مسلك المتقدمين وينظروا نظر السلف الماضين في حال الراوي والمروي وتمييز المرذول والمرضي
هذا هو المنهج النظري الذي قرّره الخطيب في مقدمة كتابه. . . إلا أنه لم يستطع أن ينجو تماماً من أثر العلوم العقلية على علوم الحديث الذي توسّع نطاقه في عصره فهو ابن عصره.
ثم تحدث عن أثر أصول الفقه في كتابه ثم قال: وهذا التأثر من الخطيب بأصول الفقه مع وضوحه إلا أن إمامته في علم الحديث وعدم تعمّق أثر أصول الفقه عليه جعل ذلك الأثر الأصولي على كتابه غير مخوف منه لأنه أثر مفضوح لا يشتبه بعلوم الحديث ومسائله عند أهل الاصطلاح التي ملأ الخطيب غالب كتابه بها، كذا قال.
ولا أدري كيف صار تأثر بعض العلوم الشرعية ببعض عيباً وشيناً يعاب به من مزج بين هذه العلوم التي في الأصل علوم مترابطة لا غنى لبعضها عن بعض.
كيف وعلماء الأصول لا سيّما الأوائل منهم هو المفسرون وهم المحدثون كالشافعي وغيره، وهل الأصول إلا قواعد استنبطها أتباع الأئمة من أقوالهم وتصرفاتهم، وهؤلاء الأئمة أرباب المذاهب هم أصحاب الحديث كمالك والشافعي وأحمد، وهم حملة رايته، وهم المفسرون كالبخاري وابن أبي حاتم والطبري وغيرهم.
ثم إن كثيراً من مباحث الأصول المدوّنة في كتبهم تشارك ما يبحثه المحدثون في علوم الحديث لا سيّما ما يتعلق بالسنّة منها.
نعم كثير من كتب الأصول تأثر بعلم الكلام والجدل، ولكنه لا يعدو – في الغالب - أن يكون تأثراً في كيفية العرض والوسائل دون المقاصد، ثم إن علم الأصول كغيره من علوم الوسائل التي يسميها بعضهم علوم الآلة هي وسائل لغيرها كالعربية وعلوم القرآن وأصول الحديث لا ينبغي لطلب العلم أن يفرغ نفسه لها دون مقاصدها، فإنها إنما دوّنها العلماء لتكون وسائل لفهم المقاصد التي هي نصوص الكتاب والسنّة وما يستنبط منهما ويستند إليهما.
ثم ذكر الإرشاد للخليلي وذكر مقدمته وأنها من معين المحدثين
ثم تحدث عن المدخل للبيهقي، ومقدمة دلائل النبوة، ومقدمة معرفة السنن والآثار له، وانتقد ما ينتقد فيها من تأثير النزعة الأصولية بل والأشعرية.
ثم ذكر مقدمة ابن عبد البر لكتابه التمهيد وذمَه أهل الكلام والأشعرية، ثم قال: وعلى هذا فلن يكون للمذاهب الكلامية أثر على ابن عبد البر من جهة العقيدة، لكن ابن عبد البر ممن استبق جيلهم التأثر بأصول الفقه وهو ابن جيله فلا بدّ أن يكون لأصول الفقه أثر عليه. . .
¥