تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

براءة عامَّة من الكذَّابين والوضَّاعين (د. جمال عزون)

ـ[فريد المرادي]ــــــــ[12 - 12 - 08, 10:28 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

" الفَتَّاش على القَشَّاش لجَلالِ الدِّينِ السُّيوطيِّ 911هـ وبَراءَةٌ عامَّةٌ منَ الكَذَّابِينَ والوَضَّاعِينَ "

للشيخ د. جمال عزون - وفقه الله -

تبقى ظاهرة وضع الأحاديث والكذب على سيِّد المرسلين - صلى الله عليه وسلم - مشكلةً قائمة في الأمَّة ما دام ثمَّةَ مَن ينسب إليه - صلى الله عليه وسلم - كلاماً لم يتحقَّق من ثبوته، وقولاً لم يستوثق من صحَّته، وخبراً لم يُراجع فيه أهل التّخصُّص الذين يميِّزون بين الثَّابت والموضوع، والصَّحيح والمصنوع.

والمتصفِّح في عصرنا هذا وسائلَ الإعلام المختلِفة يسمع أحاديثَ كثيرةً على ألسنة المتكلِّمين، ويقرأ أخباراً تُعزى إلى النّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وهي موضوعةٌ مكذوبة أو مُنكرة أو ضعيفة جدّاً أو لا أصلَ لها في كتب الحديث، وكثيرٌ من أولئك المستدلِّين بتلك الأحاديث الموردينها في ثنايا كلمهم أعلامٌ يُسمع قولهم في فنِّهم، ويُرجَع إليهم في تخصُّصهم، وذلك كلُّه يطمئن السَّامع والقارىء فتتلقَّف ذاكرتُه تلك الأحاديثَ المكذوبة وتَجري على لسانه كما جرت على من استدلَّ بها دون تمحيص وتدقيق، ونشرها بين الناس وهو لا يشعر بخطورة عَزو الكلام إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو كذبٌ في أصله باطلٌ عند أهل التخصُّص من المحدِّثين الذين بذلوا جهوداً رائعة قديماً وحديثاً حصروا من خِلالها الأحاديثَ الموضوعة والأخبار المصنوعة، وبيَّنوا عللَ أسانيدها ونكارةَ متونها، وحذَّروا من أثرها السيِّئ في الأمَّة في تشويه معتقداتهم، وإحداث أمورٍ في عباداتهم لا أصلَ لها في الكتاب والسُّنَّة.

وإنَّما كان نشرُ الموضوعات بهذه الخطورة؛ لأنَّ فيه نسبةَ كلامٍ إلى نبيٍّ هو المبلِّغ عن الله شرعَه، والموضِّح للنَّاس أعظمَ كتاب وهو القرآن الكريم، فتكون نسبةُ الأحاديث إلى مبلِّغ الشَّرع الكريم نسبةً إلى الشَّارع الحكيم، وهو من جنس ما كان يفعلُه أحبار اليهود وقساوسةُ النّصارى من تحريفِ كتب الله المنزَّلة وعَزوِها إلى الله - تعالى -، وقد قرَّر ربُّنا - سبحانه - هذه الحقيقةَ في كتابه الكريم: ? فَوَيلٌ للَّذينَ يكتُبونَ الكِتابَ بأَيديهِم ثمَّ يَقولونَ هَذا من عِندِ اللهِ لِيَشتَروا بهِ ثَمناً قليلاً، فَوَيلٌ لهُم مِمَّا كَتَبَت أَيديهِم ووَيلٌ لهُم ممَّا يَكسِبونَ ? [البقرة: 79]، فأيُّ فرقٍ بين من يحرِّف كلاماً ويقول: هذا كلامُ الله، ومَن يختلق خبراً موضوعاً ويقول: هذا كلامُ رسول الله، ولهذا أخبر النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أمَّته أن الكذبَ عليه ليس كالكذب على سائر النّاس: ((إنّ كَذِباً عليَّ ليس ككَذِبٍ على أَحَد، من كَذَبَ عليَّ مُتعمِّداً فَليَتَبَوَّأ مَقعَدَه منَ النَّار)) [1]، كما أنبأ الله نبيَّه محمَّداً عن أناس في آخر الزَّمان يَختلقون الأحاديثَ المكذوبة: ((يكونُ في آخرِ الزَّمان كذَّابونَ يأتونكُم من الأحاديثِ بما لم تَسمَعوا أنتُم ولا آباؤُكم فإيَّاكم وإيَّاهم، لا يضلُّونَكم ولا يفتنوكم)) [2]، والأحاديثُ في التحذير من الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كثيرةٌ، وهي تُرشد إلى خُطورة التساهُل في اختلاق الأحاديث ونسبتها إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وتُنبِّه كلَّ كاتبٍ في فنِّه أن يَحذرَ غايةَ الحذر من الاستدلال بحديثٍ دون التحقُّق من ثُبوته عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -.

أمّا كتابنا ((الفتَّاش على القشَّاش)) [3] للحافظ المشهور جلال الدِّين عبد الرَّحمن بن أبي بكر السُّيوطي (849 - 911هـ) فهو مقامةٌ لطيفة من مقاماته الممتعة، شهَّر فيها بقَصَّاص يروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأباطيلَ ويختلق المكذوبات، وأعلن فيها السُّيوطي براءته إلى الله - تعالى - وإلى جميع خلقه من عمل هذا القَصَّاص.

والفتَّاش: هو وصفُ مبالغةٍ على وزن فعَّال بمعنى شديد التّفتيش والبحث، والمراد به الذي يُكثر تتبُّع أمور النَّاس.

والقشَّاش: الذي يَلتقطُ أرذل الطَّعام الذي لا خيرَ فيه من المزابل ليأكُلَه ولا يَتوقَّى قَذَرَه [4].

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير