تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال الحافظ ابن عبد البر: فمن أراد قبول قول العلماء الثقات بعضهم في بعض فليقبل قول الصحابة بعضهم في بعض، فإنْ فعل ذلك فقد ضل ضلالاً بعيداً وخسر خُسراناً مبيناً ...

والعبارات بهذا الشأن كثيرة جداً في كتب الجرح والتعديل.

وقد تبين أنّ الأقران كثيراً ما يفرطون في ذم بعضهم بسبب العداوة والخلافات والحسد والغيرة بما يتجاوز الحد، مثلما وقع بين السيوطي والسخاوي، وإذا كان هذا أمراً مألوفاً عندهم، فمن الطبيعي حينئذ أن لا يقبل بعضهم في بعض، وهذا القسم أجروه حتى فيما لو كان الجرح مفسراً ومبين السبب في حق الأئمة وكبار الفقهاء والمحدثين.

ومن الأمثلة على ذلك أيضا:

1 - أبو حنيفة:

النعمان بن ثابت إمام المذهب الحنفي، الذي تعد إمامته اليوم عند أهل السنة من المسلمات، إلا أنّ عدة من متقدمي أئمة الحديث طعنوا عليه بعدة طعون بالغة، ومنها:

- ما ذكره العقيلي في كتابه الضعفاء الكبير حيث قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال حدثنا منصور بن أبي مزاحم، قال حدثنا مالك بن أنس، يقول: إنّ أبا حنيفة كاد الدين، ومن كاد الدين فليس له دين. (6)

وهذا الخبر من الأخبار التي لا كلام فيها من جهة الإسناد، فعبد الله بن أحمد بن حنبل من كبار الثقات والمعتمدين والأئمة المشهورين، ومنصور بن أبي مزاحم يقول فيه إبن حجر في التقريب: ثقة، وقال عنه يحيى بن معين: صدوق، وقال أيضاً: تركي ثبت، وقال أبو حاتم: صدوق، وقال الدارقطني: ثقة، وقال الحسين بن فهم: وكان ثقة صاحب سنة.

وهذا الخبر نقله عبد الله بن أحمد أيضاً في كتاب السنة، وفي العلل.

2 - علي بن المديني:

وهو أحد أهم أئمة الحديث وأركان الرواية، وقد اعتمد عليه البخاري كثيراً في صحيحه، وقال بشأنه النووي: أجمعوا على جلالته وإمامته، وبراعته في هذا الشأن، وتقدمه على غيره.

وقال الذهبي: الشيخ، الإمام، الحجة، أمير المؤمنين في الحديث.

وقال الحافظ والفقيه المعروف أبو عبيد القاسم بن سلام: إنتهى العلم -يعني علم الحديث- إلى أحمد بن حنبل، وعلي بن عبد الله، ويحي بن معين، وأبي بكر بن أبي شيبة، وكان أحمد أفقههم فيه، وكان علي أعلمهم به، وكان يحيى أجمعهم له، وكان أبو بكر أحفظهم له. (7)

والكلام في علو قدره وجلالته عندنا كثير جداً.

ومع هذا فقد ضُعف، وطعن عليه، واتهم مضافا للخدش في عقيدته بالكذب، ولا بأس بذكر بعض تلك الموارد الواردة بهذا الشأن:

فقد ذكره العقيلي في كتابه في الضعفاء وقال: قرأت على عبد الله بن أحمد (8) كتاب العلل عن أبيه، فرأيت فيه حكايات كثيرة عن علي بن عبد الله، ثم قد ضرب على اسمه وكتب فوقه: حدثنا رجل، ثم ضرب على الحديث كله، فسألت عبد الله، فقال: كان أبي حدثنا عنه، ثم أمسك عن اسمه، وكان يقول حدثنا رجل، ثم ترك حديثه بعد ذاك. (9)

وقال إبن حجر: وقال الأثرم: سمعت الأصمعي وهو يقول لعلي بن المديني: والله يا علي لتتركن الإسلام وراء ظهرك. (10)

وقال أيضاً: وقال ابن أبي خيثمة: سمعت إبن معين يقول: كان علي بن المديني إذا قدم علينا أظهر السنة، وإذا ذهب البصرة أظهر التشيع. (11)

3 - الإمام الشافعي:

محمد بن إدريس، إمام الشافعية، ومكانته وعلو شأنه عند السنة لا يحتاج إلى بيان، فمذهبه كمذهب أبي حنيفة من المذاهب التي انتشرت في الآفاق، ومع هذا كله لم يسلم من الطعن من قبل علماء الحديث وأئمته، ونذكر من ذلك:

- اتخذ منه عدة من كبار المالكية موقفاً عدائياً، ولعله بسبب أنه كان مالكياً ومن ثم أسس مذهباً فقهياً مستقلاً عنه، واتهموه بالتشيع، واستندوا في ذلك كما ينقل الذهبي إلى موافقته الشيعة في عدة مسائل فقهية كالجهر بالبسملة والقنوت في صلاة الصبح والتختم باليمين. (12)

- قال بشأنه الحافظ أحمد بن عبد الله العجلي: هو ثقة، صاحب رأي ليس عنده حديث، وكان يتشيع.

قال الذهبي بعد أن نقل ذلك عنه: فكان العجلي يوهم في الإمام أبي عبد الله التشيع لقوله:

إن كان رفضاً حب آل محمد فلشهد الثقلان أني رافضي. (13)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير