ولم يثبت عن النسائي أنه عَمد إلى هذه التفرقة، ولا غيره، والأدلة على ذلك ما يأتي:
1 - أن الإمام النسائي لم يستخدم لفظ: ((ليس بقويّ)) في كتبه قطّ.
وجاء في المطبوع من ((السنن الكبرى)) (5/ 132) في حديث عمران بن أبان في يوم غدير خم، قال النسائي: "عمران بن أبان: ليس بقوي في الحديث".
وهذا القول عن النسائي لم يذكره محقق السنن (حسن شلبي) في نسخته التي أشرف عليها شعيب الأرنؤوط (7/ 439)!
وعمران هذا قال عنه النسائي في ((الضعفاء)) (ص85): "عمران بن أبان، واسطيّ، ضعيف".
وقد تتبعت ((السنن الكبرى)) وكتاب ((الضعفاء)) للنسائي فلم أجده ذكر لفظ: (ليس بقوي) دون التعريف بأل إلا في هذا الموضع!
فأين تفرقة النسائي بين المصطلحين إذن؟!
والمصطلح الذي يقوله النسائي دائماً هو: (ليس بالقوي). واستخدم أيضاً في ((السنن الكبرى)) مصطلح: (ليس بذاك القوي).
2 - أن الأئمة الذين نقلوا أقوال النسائي هم الذين تصرفوا فيها، وهذا يدلّ على أنهم لم يجدوا فرقاً بين المصطلحين عند النسائي وعند غيره أيضاً.
- قال ابن الجوزي في ((الضعفاء والمتروكين)) (1/ 270) في ترجمة (دُرست بن زياد): "وقال النسائي: ليس بقوي".
قلت: قال النسائي في ((الضعفاء)) (ص39): "دُرست بن زياد: ليس بالقويّ".
- وقال ابن الجوزي أيضاً (2/ 40) في ترجمة (شعبة مولى ابن عباس): "وقال السعدي والنسائي: ليس بقوي".
قلت: قال النسائي في ((الضعفاء)) (ص56): "شعبة مولى ابن عباس، ليس بالقويّ".
- وقال الذهبي في ((ذكر من تُكِّلم فيه وهو مُوثَّق)) (ص152)::فليح بن سليمان المدني (خ م) ليس بالمتين، وقد أخرجا له، قال ابن معين والنسائي وغيرهما: ليس بقوي".
قلت: قال النسائي في ((الضعفاء)) (ص87): "فُليح بن سليمان: ليس بالقويّ، مدني".
- وقال أيضاً (ص195): "يحيى بن سليم الطائفي (ع)، لكن مسلم تبعاً، وثقة غير واحد، وقال النسائي: ليس بقوي".
قلت: قال النسائي في ((الضعفاء)) (ص109): "يحيى بن سُليم الطائفي، ليس بالقويّ".
- وقال ابن حجر في ((فتح الباري)) (13/ 227): "قال النسائي: فضيل بن سليمان ليس بقوي".
قلت: قال النسائي في ((الضعفاء)) (ص88): "فُضيل بن سليمان: بصري، ليس بالقوي".
فهذه الأمثلة تدلّ على أن النسائي لم يكن يفرّق بين هذين المصطلحين، ونقل الأئمة عنه ذلك وتصرفهم فيه يدلّ على عدم الفرق عندهم أيضاً.
3 - عدم تعرض أئمة هذا الشأن ممن تكلّم في المصطلحات للفرق بينهما وعدم ذكرهما معاً والاقتصار على أحدهما فقط.
قال ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (2/ 37): "ووجدت الألفاظ في الجرح والتعديل على مراتب شتى، وإذا قيل للواحد: إنه ثقة أو متقن ثبت فهو ممن يحتج بحديثه، وإذا قيل له: إنه صدوق أو محلّه الصدق أو لا بأس به فهو ممن يُكتب حديثه ويُنظر فيه وهي المنزلة الثانية، وإذا قيل: شيخ فهو بالمنزلة الثالثه يُكتب حديثه وينظر فيه إلا أنه دون الثانية، وإذا قيل: صالح الحديث فإنه يكتب حديثه للاعتبار، وإذا أجابوا في الرجل بلين الحديث فهو ممن يكتب حديثه وينظر فيه اعتباراً، وإذا قالوا: ليس بقويّ فهو بمنزلة الأولى في كتبه حديثه إلا أنه دونه، وإذا قالوا: ضعيف الحديث فهو دون الثاني لا يطرح حديثه يُعتبر به".
وقال الذهبي في مقدمة ((الميزان)): "وأرْدى عبارات الجرح: دجّال كذاب ... ، وفيه ضعف، وقد ضعف، ليس بالقوي، ليس بحجة ... ".
4 - أن الأئمة النقاد استخدموا أحياناً (ليس بقوي) وأحياناً (ليس بالقوي) في الحكم على الرواة دون إشارة إلى التفريق بينهما، ويكثر هذا عند ابن أبي حاتم في سؤالاته لأبيه وأبي زرعة، ولو كان ثمة فرق لبيّنه أو أشار إليه.
وأحياناً يضيف الناقد عبارة أخرى لهذا المصطلح كما كان يفعل أبو حاتم.
قال ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (2/ 131): سمعت أبى يقول: "إبراهيم الهجري: ليس بقوي، لين الحديث".
وقال (2/ 152): سمعت أبي يقول: "إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر: ليس بقوي، يكتب حديثه".
وقال (2/ 203): وسألت أبا زرعة عن أبى أمية بن يعلى؟ فقال: "واهي الحديث ضعيف الحديث ليس بقوي".
وقال (2/ 219): سمعت أبي يقول: "إسحاق بن رافع: ليس بقوي، ليّن، وهو أحب إليّ من أخيه إسماعيل وأصلح".
وقال (2/ 236): سمعت أبي يقول: "إسحاق بن يحيى بن طلحة: ضعيف الحديث، ليس بقوي، ولا يمكننا أن نعتبر بحديثه".
¥