ـ[د. خالد الشبل]ــــــــ[23 - 08 - 2004, 02:59 ص]ـ
الأستاذ ديك الجن:
من الحوار ينبثق النور، وسؤالاتك تدل على طلب دقة في طلب الحق، فلك الشكر.
أرى في جوابك نوعًا من التناقض، لا مؤاخذة، فأنت مرة ترى أن مدخول الباء في (بعت الضلالة بالهدى) هو المتروك، وقسته على (استبدل كذا بكذا) وبينهما فرق. ومرة ترى أن الضلالة عند مالك شيء جديد لا يحبه، والهدى حياة يحبها، وهي حياته الأولى.
والأمر كما ذكر الأستاذ النحوي، على ظاهره، و (باع) على بابها، ولكي يتضح لك الأمر هاك حديثًا في صحيح الإمام مسلم، رحمه الله. رواه عن أبي هريرة، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً أو يمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرضٍ من الدنيا ".
فهل ترى أن الذي يبيع دينه بعرض من الدنيا ممدوح؟ مع أنه في الحديث مذموم.
أهل التراجم ذكروا أن مالكًا تنسّك بعدما عرض عليه سعيد بن عثمان الخروج إلى خراسان، وأنه شهد غزو سمرقند.
لك تحياتي.
ـ[ديك الجن]ــــــــ[23 - 08 - 2004, 02:37 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اخي النحوي الصغير: أحسنت إذ نقلت معنى الضلال والهدى من المعاجم فقد ورد فيها:
" ضلَّ الرجلُ يضلُّ ويضَلُّ ضَلالاً وضَلالةً من باب ضربَ وعَلِمَ ضدُّ اهتدى. أي جار عن دينٍ أو حقٍّ أو طريقٍ
وقيل الضلال موضوع في الأصل للعدول عن الطريق المستقيم عمدًا أو سهوًا قليلاً أو كثيرًا وباقي المعاني متفرّعٌ منهُ "
فكلمة ضلال لا تعني، في الأصل، الباطل أو الكفر التي في مقابل الحق أو الدين. فما أراه أنا ضلالا بالنسبة لي قد يراه زيد هدى بالنسبة له. أما في المجال الديني فقد ترسخ معنى الهدى بهدي النبي:= والضلال بمعنى الجور عن طريق هديه صلى الله عليه وسلم.
وفي اعتقادي أن مالكا يعني بالهدى والضلالة معناهما الأصلي لا الديني. بل إن قصيدته كلها لا تدور إلا على ماضيه الذي يستحوذ عليه حتى قرب موته ولا يوجد فيها خبر عن بلائه في الغزو أو معنى من معاني الاستشهاد أو الجهاد في سبيل الله.
وإذا كان الضلال هو طريق الهلاك كما جاء في المعجم فإن مالكا هلك، مات، وهو لا يريد الهلاك ولا الموت ولكما أن تريا كم هو متشيث بالحياة ومفرداتها، وأن عالمه ما زال كما هو، إبل يزجيها وأشقر يجر لجامه، وبنات يبكينه ونسوة يعز عليهن مصيره وسهيل يقر لعينه.
وهنا أسألكما أين معاني الغزو والاستشهاد؟ بل أين معاني الهدى الديني في القصيدة؟
ـ الأخ خالد الشبل
لا يعنيني هنا ما قاله أهل التراجم من أن مالكا تنسك أو لم يتنسك ونحن لا نناقش أقوال المترجمين، نحن مع مالك نفسه في أقواله الصادرة عنه.
ثم: ما ذا تريانه يعني بقوله:
فإن أنج من بابي خراسان لا أعد**إليها، وإن منيتموني الأمانيا
ـ[د. خالد الشبل]ــــــــ[23 - 08 - 2004, 03:35 م]ـ
الأستاذ ديك الجن:
لم تُجِبْ عن الحديث. ويبدو لي أن قوله (بعت الضلالة بالهدى) بان لك بأنه على ظاهره.
يبقى البيت الذي تمسكت به، فإذا عرفت أن مالكًا مات بلدغة ثعبان، فإنه حزن أن تكون ميتته بهذا السبب، وحصل منه نوع تطَيُّر من ذاك المكان، لذا قال:
ودرّ الظباء السانحات عشيةً**يخبّرن، أني هالكٌ، من ورائيا
وأنت تعرف معنى السانح.
ولا تنس أن مالكًا أهدر دمه، وقسره سعيد على الذهاب إلى خراسان، ليترك لصوصيته، ولهذا قال:
ألم ترني بعت الضلالة بالهدى**وأصبحت في جيش ابن عفان غازيا
لك تحياتي.
ـ[ديك الجن]ــــــــ[23 - 08 - 2004, 06:19 م]ـ
أخي الكريم خالد
أي حديث لم أجب عنه؟ تفصد حديث رسول الله:=؟ لا أختلف معك على معناه لكن نحن نتكلم عن بيت مالك.
ولا أفهم ما ذا تعني بقولك (على ظاهره) إذا كنت تقصد أن الضلالة في البيت على ظاهرها أي أنها الضلالة بالمعنى الديني والهدى هو الهدى بالمعنى الديني فأنا لا أراها كذلك، وكنت سأحملهما على المعنيين الدينين لو أني وجدت في كلام مالك ما يدعم ذلك. فحملتهما على أصلهما اللغوي لسببين:
أولا لا يوجد في كلامك مالك ما يدعم المعنى الاصطلاحي الديني
ثانيا لا يمكن لمالك أن يصف الغزو في سبيل الله أنه ضلالة وأن اللصوصية هي الهدى
مالك لا ينظر للموضوع من هذا الزاوية، ولا يفكر طول قصيدته إلا في أمر واحد هو أنه سيموت.
إن خروجه في الغزو لا يمثل له شيئا سوى أنه مات بسببه ولو عاش فلن يعود إليه.
أما ما ذكره المؤرخون أنه مات بلدغة أفعى فهذا لم يذكره مالك، وليس هو محل النقاش، وأما أن يكون أصابه تطير فإن ما هو فيه أشد من التطير فهو يموت، و "أما الظباء السانحات عشية " فهي لم تمر أمامه ليتطير أو يتفاءل بها، هو يتخيلها تمر أمام أهله البعيدين لتخبرهم بهلاكه.
هذا، ومالك دخل الجيش وهو مهدور دمه بعد أن (منوه الأماني)، فعالمه ما زال هو عالمه الأول.
أخي خالد: لا أنت ولا الأخ النحوي الصغير أخرجتم من القصيدة ما يؤيد وجهة نظركما التي ما اراها إلا معتمدة على حسن النية بمالك ورجاء الخير له أكثر مما هي معتمدة على ما قاله مالك عن نفسه.
عندما نختلف في موضوع مالك فنحن بالتأكيد نعرف أننا لا نبت في مصير مالك في الآخرة ولا نحكم على حسن إسلامه، نحن نتذاكر في قصيدة شعرية، نص أدبي، ولا يضر مالك قولي فيه كما لا ينفعه قولكما فيه.
لقد دعمتما أقوالكما بأقول مؤرخين وبالمعاجم ولا نختلف في هذا، فهلا استعنتم بمالك نفسه. فعنده الخبر اليقين.
لكما تحياتي وتقديري.
¥