هي رَامةٌ فخُذوا يَمينَ الوادي = وذَروا السيوفَ تَقَرُّ في الأَغمادِ
وحذارِ مِنْ لَحَظاتِ أَعْيُنِ عِيْنِها = فَلَكَمْ صَرَعْنَ بِها مِنْ الآسادِ
مَنْ كان مِنكم واثقاً بِفُؤادهِ = فهناكَ ما أَنا واثقٌ بِفُؤادي!
قال ابن هشام: وهنا في الفصيح ما أنا واثق بفؤادي!
بعد هذا التحليل البديع من الأخت المستبدة، التي لم تستبد مرةً واحدةً كما قال عمر، ولكنها تفعل ذلك دائماً، فهل مِنْ مُجِيْر؟!
شكر الله لك هذا التعقيب النثري، الذي يُزري بِمختار الشعرِ والنثر، ولا أقول شيئاً فقد انعقد اللسان حياءً وخجلاً، وهذا يكفينا.
وقد بحثتُ عن الموضوعِ الآنَ لأضيف هذه المشاركة، فلم أجده في ذيل الصفحة - كما تعودت في مشاركاتي -، فاستغربتُ، فلما قمت بالبحثِ، وجدتُه في أعلى القائمة، فاستغربتُ المكان، حيث إِني لم آلفِ الصفوفَ الأولى في حياتي، ودائماً أقبعُ في آخرِ الصفوفِ، إلا إن وجدت من سبقني إليها فاضطر للوسط، وهذه من النوادر فالحمد لله، وأشكر من اقترح التثبيت، والمشرف الذي ثبت الموضوع ثبتكم الله على الصراط جميعاً. آمين
نعود للأبيات الآن، وإنْ عدتم بالتحليل عدنا بالرد الجميل. وشكر الله لكم تقديركم وحسن ثناءكم، وإنما أثنيتم على أدب أمة، ولغة دين، وما نحن إلا مِنْ جُملةِ المُحبين.
ولعَمْري إنَّ هذا لمنْ أصدقِ الحُبِّ، وأنبل الوفاء لأمةٍ قائدُها رسول الله محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب صلى الله عليه وسلم، فهل تعرفون أكرم من هذا القائد؟ وأنبل من ذاك الإنسان؟
ولغتها العربية، فهل تعرفون لغةً تستحق العشق مثلها؟
أما أنا فلا أعرف، وأظنكم مثلي بل خيراً مني.
[ line]
قال ابن هشام: هذه الأبيات الثلاثة التي تقدمت للشاعر المطبوع، جمال الدين بن يحيى بن مطروح (592 - 649هـ)، وهو شاعر رقيق العبارة، صادق الشعر، غالب قصائده عيون، لولا إغراقه في المديح، ولكن مَنْ يسلمُ من الشعراء من ذلك رَحِمهم الله. وقد اشتهر بأبياته المرقصة التي يحفظها الناس حتى أنا، وهي قوله في قصة مشهورة عندكم:
قُلْ للفرنسيس إذا جئتَهُ = مقالَ صدقٍ من قؤولٍ فصيحْ
آجركَ الله على ما مضى = من قتل عُباد يسوعَ المسيحْ
قد جئتَ مصراً تبتغي أخذها = تحسب أن الزمر يا طبلُ ريحْ
فساقك الحَينْ إلى أدهمٍ = ضاق به عن ناظريك الفسيحْ
وكلُّ أصحابكَ أودعتَهم=بقبح أفعالك بطنَ الضريحْ
خَمسون ألفاً لا يُرى منهم = إلا قتيلٌ أو أسير جريحْ
فردَّكَ اللهُ إلى مثلها = لعلَّ عيسى منكمُ يستريحْ
إِنْ كان باباكم بذا راضياً=فرُبَّ غشٍّ قد أتى من نصيحْ
أوصيكمُ خيراً به إنه = لطفٌ من الله إليكم أُتيحْ
وقل لهم إن اضمروا عودةً = لأخذ ثأرٍ أو لقصدٍ صحيحْ
دارُ ابنِ لُقمانَ على حالِها=والقَيدُ باقٍ والطواشي صَبيحْ!
وأشهرها البيت الأخير، والقصة لا تخفى على متأدب مثلكم وفقكم الله.
قال ابن هشام: نعود لأبياته الثلاثة المختارة في أعلى الكلام، والشاهد عندي منها هو البيت الثالث، ولي معه الوقفات الآتية:
أولاً: إن العاشقَ الصادقَ، والمُحبَّ الوامقَ، لا يُكابرُ في فعلِ الحُبِّ بهِ، وبقلبهِ، ففؤادهُ ضعيفٌ لا يقوى على الصبر، وهو لا يثق بقلبهِ إذا مَر بِـ (المَجالِ المغناطيسي) للمحبوب، فهو يَخشى لذعةَ الوجدِ، وصَدمة الغَرامِ، على حَدِّ قول الشاعر المبدع الآخر صُرَّ دُرٍّ وهو يتحدث عن نَجدٍ، وعن انتشارِ أمراض الغرام في أجوائها، واختلاطه بترابِها، حتى لا يَنْزلها أحدٌ، ويُمسي إلا وهو مصابٌ بهذا الداء العضال:
النَّجاءَ النَّجاءَ مِنْ أرضِ نَجدِ = قبلَ أنْ يعلقَ الفؤادُ بوَجْدِ
إِنَّ هذا الثَّرى لَيُنبتُ وجداً = في حَشا مَيّتِ اللُّباناتِ صَلْدِ
كمْ خَليٍّ أتى إليها وأَمسى = وهو يهذي بِعَلوةٍ أَو بِهِنْدِ! وهذه أبيات جَميلةٌ، ولكن لا نقطعُ الحديثَ بذكرها هنا.
وكثير من الشعراء يكابر في صنع الحب به وبقلبه، وهذا إن وجد فهو من باب قول أبي ذؤيب الهذلي: (وتجلدي للشامتين ... ) لا من الصدق في الحب. وقد كان الشاب الظريف محقاً، حينما صاح في العاشقين رحمة بهم، من الصراع النفسي فقال:
لا تُخْفِ ما صنعتْ بكَ الأشواقُ = واشرحْ هَواكَ فكلُّنا عُشَّاقُ
فلقدْ يُعينكَ مَنْ شكوتَ له الهوى = في حَمْلِهِ، فالعاشقونَ رفاقُ
ثانياً: أن الصادقين يتشابهون في مواردهم وتعبيراتهم ومشاعرهم، فهنا قد وجدت هذه المعاني في شعر الشعراء كثيراً، وإذا فتشت في شعرهم وجدت لها أخوات من الصور والتعابير، فتقول: سبحان الله! تجد تشابهاً في الأفكار بين المبدعين من الشعراء، الصادقين في نقل مشاعرهم، ومشاعر الآخرين، والأديب والشاعر عندما يكتب ويصور عواطفه ومشاعره، فإنه يصور مشاعر الآخرين وعواطفهم أيضاً، ولذلك نحب قراءة ما يكتبه الأدباء في أشعارهم وآثارهم لأننا نجد فيها شيئاً منا، ولولا بطئي في الطباعة، وضيق الوقت، لأتيت لكم بأمثلة من شعر الشعراء الذين ذكروا ما ذكره ابن مطروح قبله وبعده، في عبارات لا تقل جمالاً وإن كانت عبارة ابن مطروح وبحره وقافيته جعلت المعنى يأخذ بُعْداً رائعاً في نفوس الأدباء المتذوقين كالمستبدة وسلاف وأمثالهم ممن يملكون أجهزة خاصةً للكشف عن المشاعر والعواطف بين الأبيات والكلمات، فيرون ما لا أراه وأمثالي مِن الصور والمعاني والله المعطي سبحانه.
ثالثاً: ما رأيكم بقول ابن مطروح: فهناك ما أنا واثق بفؤادي! يخيل إليَّ أنه مع رففقته التي تنوي السفر، والمرور على ديار المحبوبة، وهم يجادلونه في مرافقتهم، وهو يتأبى عليهم، تعال! تعال! وهو يتمنع، ولا يجيب! وهو يقول لهم وهم يسحبونه سحباً للركوب في السيارة! أو الركوب على الدابة! واحدة منها:
من كان منكم واثقاً بفؤاده * فهناك ما أنا واثق بفؤادي!
ربما أنتم تصبرون، وأفئدتكم قوية، أما أنا فلا أثق بفؤادي وقد جربته! اتركوني، فيذهبون ويتركونه، وهو عاد يحمد الله على السلامة، وإلى اللقاء مع البيت الرابع.:=
¥