يطرأ على الفعل .. (فينقص من حدة الشوق،الحنين والكمد!!) كما نجد أنَّ في الجار
والمجرور، مبالغة في الأمر، وتأكيد .. وكذلك الحال في (مثلي)، يصدح هنا اعتداده
بنفسه! واستخدم لنفسه (أرق) ولغيره (يأرق) يريد أنَّ أرقه أقوى وأدوم وأبقى بعكس
غيره! .. وهكذا. . . . فنجد أنّ الشعراء ـ وسأحدد حديثي هنا عنهم ـ دققوا في
اختياراتهم، لمعانٍ تجول وتصول في أرواحهم، فيختلف التعبير بحسب اختلاف
الدلالات التي تنطوي عليها كل لفظة عن أترابها من الألفاظ. (وهذا ما يجعلني أؤكد
على ارتباط النص بصاحبه! .. فكل نص كتَبَهُ كان يعنيه .. هو منفعل به، صادق معه
مؤمن به .. ! بعيدا عن إسقاط حروفه على حياته (الخاصّة!)، فمن يكتب يريد أن يقول ..
ومن سيقول لا بد أن ثمّة ما يعتمل في ذهنه، ويريد بعثرته في صورةٍ أدبيّة!
سواء أكان ذاك الذي يعتمل .. مشهداً قد حفظته ذاكرته، أو واقعاً لامسه،لقربه .. وعموماً
لا يجب فصل النص عن صاحبه، وهذا لا يعني إسقاطه على حياته .. وكل هذا يجعلنا
نؤمن أكثر أن المبدع يستطيع بلورة ما بنفسه بصورةٍ بعيدة تماماً عن حياته! والقارئ الذكي
لن يقتنع ـ أو دعوني أقول:لن يشك! ـ بأنَّ قصة أو حكاية مكشوفة .. هي تماما
صورة حياة الكاتب! .... )
أوووه عفوا ما لي استطردتُ .. ؟!!
فهذا الاختيار، يجعلنا نؤمن .. أنّ تميّز بعض القصائد ليس لأنها (نظم)، إنما ذاك للترابط
القويّ بين اللفظ والمعنى .. بل وحتى التناسب بين المعاني والأصوات.
فاستخدام بعض الألفاظ بتلك الهيئة .. يضيف إليها معنى آخر، ويكسبها بُعداً .. ومكانة
مشرقة تُحسب له، مثلُ كونها ـ اللفظة ـ فاعلاً أو مفعولاً، حالاً أو اسماً .. وهكذا ...
وهذا سندركه لو قمنا بإعادة صياغة الجملة من جديد وبالصورة الأصليّة للجملة ..
وتحريرها من التقديم والتأخير (ولستُ أعني بهذا، تحريرها من جمالها! بل في التقديم
والتأخير أسرار بلاغيّة بديعة ـ إن أُحسن التوظيف! ـ)
فكل ما نكتب في إطار حروف العربيّة! لكن الإبداع في التوظيف!
ومن جميل الاختيار، يكون إكساب المعاني والجمل حللا قشيبة .. تكفل لها التوهّج
والديمومة في ذهن القارئ أو السامع ..
أزعم أنَّ هذا الحديث، لو قيّد له كثير وقت، لكان من جليل الكلام وشائقه!
ـ وكل الكلام الأدبي الشامخ جميل جليل ـ كيف لا .. وبه ومنه نستشف الذوق البلاغي
الرفيع .. الروح الأدبيّة الشفيفة الأنيقة، التي استطاعت تخيّر اللفظ المناسب للمعنى
المناسب،في جملةٍ رقيقةٍ بلاغيّة، ساحرة البيان،في قفزاتٍ كالفراش على الزهر!
أبو ذؤيب: أسمعُ رجع الأنين .. !
أمِنَ المنون وريبها تتوجعُ ... والدهر ليس بمعتبٍ من يجزعُ
ـ ما الحكاية يا خويلد ... ؟!
قالت أميمة ما لجسمك شاحباً ... منذ ابتذلت ومثل مالك ينفعُ
أميمة .. ؟!
تُرى من هي أميمة؟! .. ما هذا الاسم اللطيف المتبختر المتدلّه؟!
قد عرّفها إلينا (أميمة)،قد تجرّد من كل شيء إلا من صدقه وحزنه (أميمة)!!؟
قد اهتزت ـ وبعنف! ـ عواطفه .. تبعثرت حياته .. لكن ما زال يذكرُ (أميمة)!!
هذه العاذلة التي جسّدها تجسيداً فنيّاً .. هي "أداة فنيّة تركّز اهتمامها على الداخل (التوجع)
، وترد مشكلة الإنسان في تصعيد الألم إلى الدهر المتسلّط الذي لا يكترث بانعكاس أثره في
تساقط الآخرين على النفس. . . فتنهض أميمة، بمهمة افتضاح الألم (الكشف) بتساؤل
أشبه ما يكون بالقالب الصياغي " ما لجسمك شاحبا " وهي مستنكرة. . . " 2
جاء هذا التعريف (باسم إنسان)، الوحيد ـ تقريباً ـ في القصيدة كاملة!!
والتي أوصلتنا إلى أنه وجد عند هذا الشخص مشاركة لمرارة الفقد!
فهي تقف في هذه المعركة ـ معركة الإنسان مع الموت، والتي هي ذاتها "معركة مع
الزمن" ـ وقفة حبيبة، (أم،أخت، زوجة، ابنة، رغم أني لم أقرأ أنّ له بنتٌ!!) .. لا
ندري .. لكن ما يجب أن ندريه .. أنه اسم له ثقله في روح شاعرنا المكلوم .. !
(لعلي أقف أكثر هنا .. !، ولتعذروني أيها الأدباء الأفاضل!،:
(أميمة)!، ليس كأي اسم مرّ بحياته .. ! بل إني أؤمن كثيراً بأن الأسماء التي تقفز
لأذهاننا في وقت الشدة والحزن والكمد .. هي أغلى .. وأصدق الأسماء في أرواحنا!
بل هي أشدها وقعاً في نفوسنا .. بدليل أنّ الحزن حالة ـ تقريباً ـ لا واعية!
¥