تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فإني إذا هبت شمالا سألتها * هل ازداد صُدّاحُ النُمَيْرة من قربفالصداح هو جمع صادح وهو المصوت من الطير كما شرحه الأعلم الشنتمري في شرح حماسة أبي تمام. واهتزاز الغصن تحت الصادح يوحي بوجود النسيم العليل كما قال ابن الرومي عن الريح العليلة:

هبت سحيرا فناجى الغصن صاحبه * سّرا بها وتنادى الطير إعلانا

وُرق تغنى على خضر مهدلة * تسمو بها وتشمّ الأرض أحيانا

تخال طائرها نشوان من طرب * والغصن من هزه عطفيه نشوانا) قال ابن هشام: هذا الاستدراك أيضاً دليل على بصرك وفقك الله وتأملك، وهو مقبول وليس هناك ما يمنع منه، ولم أكن حين كتبت هذا الكلام مستضحراً للمعنى الدقيق للبارح إلا أنه نوع من الهواء، دون أن أدقق في أنه الحار الذي يهب من الشمال في الصيف كما تفضلتم. ولما عدت إلى الروايات وجدتها كلها ترويها (البارح) وقال المرزوقي في شرح البيت: «البارح: ريحٌ حارةٌ تجيء من قبل اليمن. فيقول: تملكه عند اكتساب المكارم أريحية يهتز عندها اهتزاز الغصن الرطب، الذي جرى الماء فيه، إذا هبت عليه البارح. و"كما اهتز" أراد كاهتزاز. وقوله "تحت البارح" حسنٌ جداً، لأن الريح تعلو الغصون في مرورها. وقد نسبوا البارح إلى النجوم إذا ذكروا الأنواء. قال:

أيا بارح الجوزاء ما لك لا ترى * عيالك قد أمسوا مراميل جوعاهذا يقوله بعض المتلصصة. وعيالها: السراق، وذلك أن البارح تحمل الغبار وتدرس الآثار، فتجسر المتلصصة على السعي، وتمكنهم السرقة». وقال التبريزي في شرحه للبيت: (والبارح: ريح حارة تأتي من قبل اليمن، أخذ من البَرْحِ، وهو الأمر الشديد العجب، ... وخص البارح لأنها تهب في الصيف، والغصن في الصيف ألين منه في الشتاء). انتهى. انظر: شرح التبريزي (بتحقيق محمد محي الدين عبدالحميد، ط. المكتبة التجارية وهي أجود طبعات شرح التبريزي) 1/ 264

[ line]

ثامناً: وأما قولكم حفظكم الله: «أرجو أن يكون فيما قدمته بعض الفائدة لأهل الأدب) فأقول: نعم، قد كان في هذا الذي تفضلتم به أكبر الفائدة لي شخصياً، فقد حملتني على المراجعة وإعادة النظر، وها هي المصادر والمراجع بين يدي أنظر فيها وأراجع، وقد وجدت في طريقي فوائد وطرائف، وهذه من فوائد هذه المداخلة الموفقة، جزاكم الله خيراً على هذا الطرح العلمي المؤدب، والروح الشفافة الذواقة.

[ line]

تاسعاً: وأما قولكم: «بيد أني سررت كثيرا بوقوعي على شاهد نحوي عزيز جداً وهو ما ذكره ابنُ هشامٍ من قول أبي العلاء الغنوي:

وماذا عليكمْ إِنْ أَطافَ بِأَرْضِكُمْ***** مُطالِبُ دَيْنٍ أَو نَفَتْهُ حُروبُ

فجملة (نفته حروب) صفة لموصوف محذوف أي: مطالب دين أو رجل نفته حروب

والنحويون يأبون أن تقوم جملة الصفة مقام الموصوف المحذوف في الاختيار ويشترطون لجواز ذلك أن يكون الموصوف بعض ما قبله من مجرور بـ (من) كقول الشاعر:

وما الدهر إلا تارتان فمنهما * أموت وأخرى أبتغي العيش أكدحأي: فتارة منهما أموت فيها، فحذف الموصوف تارة وأقيمت جملة (منهما أموت فيها) مقامه. أو مجرور بفي كقول الراجز:

لو قلت ما في قومها لم تيثم ** يفضلها في حسب وميثمأي: لو قلتَ ما في قومها امرأة يفضلها لم تأثم، فحذف الموصوف وهو (امرأة) وأقيمت جملة (يفضلها في قومها) مقام الموصوف.

وفي بيتنا نابت جملة الصفة عن الموصوف دون أن يكون الموصوف بعض ما قبله من مجرور بمن أو مجرور بفي. فمثل هذا الشاهد يعض عليه بالنواجذ فجزى الله ابن هشام عن أهل الأدب والنحو خيراً.)

قال ابن هشام: وأنتم جزاكم الله خيراً، وهذا الشاهد كما ذكرت وفقكم الله ونفع بكم، وأزيدك شاهداً آخر في الأبيات ولعل فيه جواباً لما سألت عنه الأخت العزيزة المستبدة من معنى قوله (يمشي بأطراف البلاد ويصطفي قلائص .. )

فقوله: يُمَشِّي. لغة في يَمْشِي، وهي شاهد لقراءة أبي عبدالرحمن السلمي رحمه الله في قوله تعالى:?وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا أنهم ليأكلون الطعام ويَمشُونَ في الأسواق? الفرقان 20 حيث قرأها أبو عبدالرحمن السلمي وغيره ?يُمَشُّونَ? وهي بمعنى قراءة الجمهور يَمْشُونَ. واستشهد لها المفسرون وأهل الاحتجاج للقراءات الشاذة ببيت أبي العلاء المتقدم:

أُمَشِّي بأعطانِ المياه وأبتغي = قلائص منها صعبة وركوبُ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير