الحكمة - كما تفضلتم - من هرولة الرجال في الحج أو العمرة أثناء السعي بين الميلين في المسعى بيَّنها النبي صل1 لأصحابه كما يؤخذ من عدة أحاديث وهي إظهارُ قوة المسلمين للمشركين أول الأمر، وكان قد علم النبي صل1 أن المشركين قالوا عام الحديبية في المؤمنين:قد أوهنتهم حمى يثرب. وروي في الصحيح أيضًا أن النبي صل1 لما قدم مكة لعمرة القضاء قال المشركون: إنَّ محمداً وأصحابه لا يستطيعون أن يطوفوا بالبيت من الهزال والضعف؛ لذلك أمر صل1 أصحابه أن يرملوا في ثلاثة أشواط ويمشوا في أربعة أشواط من طواف القدوم فقط. وكان عمر بن الخطاب رض1 أراد أن يترك هذا الرَّمَل ويأمر بتركه؛ لأن النبي صل1 فعله لسبب عارض، ثم بدا له فمضى عليه؛ لأنه علم أن المحافظة على ما فعله النبي
صل1 ولم ينه عنه كالمحافظة على ما كان فعله جده إبراهيم صل1 إن لم تكن أولى، روى أبو داود و ابن ماجه عنه أنه قال: فيم الرملان اليوم والكشف عن المناكب وقد أطأ الله الإسلام (أي: وطأه وأحكمه) ونفى الكفر وأهله؟ مع ذلك لا ندع شيئا كنا نفعله على عهد رسول الله صل1. وأصله في البخاري بلفظ: فما لنا والرمل إنما كنا راءينا به المشركين وقد أهلكهم
الله، ثم قال: هو شيء صنعه رسول الله صل1 فلا نحب أن نتركه. وقوله: (راءينا) مشاركة من الرؤية أي أريناهم قوتنا وأننا لا نعجز عن مقاومتهم، وقيل: هو من الرياء بمعنى إراءة ما هو غير الواقع أي أريناهم من الضعف قوة.
وقد ورد في الصحيح أن المشركين قالوا عندما رأوا النبي صل1 وأصحابه يرملون مضطبعين: هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى قد وهنتهم أجلد من كذا وكذا. وفي رواية أجلد منا.
فعلم من هذا أن الرمل أو الهرولة إنما شرعت لإظهار قوة الرجال من المسلمين خصوصاً، وإنما نحافظ عليه اقتداء بالنبي صل1 وأصحابه، وأنها خاصة بالرجال لأنهم هم الذين يقاتلون ويهابهم العدو، بخلاف النساء فهنَّ محل السكينة والستر كما تفضلتم، وأصل السعي من سعي هاجر عليها السلام، وأما الهرولة والعدو فليس كذلك وإنما هو أمرٌ سنه النبي صل1 خصوصاً للرجال لإظهار قوتهم أمام مشركي قريش في تلك القصة المذكورة ثم بقي سنة تذكرنا ببدء الدين وانتصاره ولله الحمد.
ـ[ضيدان بن عبدالرحمن]ــــــــ[31 Aug 2010, 08:46 ص]ـ
الأخت الكريمة حفيدة البخاري - وفقها الله -:
المقصود من سؤالك "الهرولة بين العلمين "
والذي يظهر لي – والله أعلم – أن الهرولة أمر زائد على السعي، وهو داخل فيه بلاشك، فهو سعي فيه هرولة بين العلمين، وطواف فيه رمل في أشواطه الثلاثة الأول.
فالحكمة من الرمل في الطواف في أشواطه الثلاث معروفة – كما ذكر الإخوة وفقهم الله -.
أما السعي الشديد بين العلمين في السعي، فيظهر لي – والله أعلم – أن الحكمة منه ما روته صفية بنت شيبة، عن امرأة منهم أنها رأت النبي - صلى الله عليه وسلم - من خوخة وهو يسعى في بطن المسيل، وهو يقول: «لا يقطع الوادي الا شداً»، وأظنه قال: وقد انكشف الثوب عن ركبتيه، وفي رواية: «لا يقطع الأبطح الا شداً».
(صحيح) أخرجه الإمام أحمد في المسند (27281)، و النسائي في "المجتبى" (5/ 242)، وفي "الكبرى" (3974)، وابن عبد البر في "التمهيد" (2/ 102)، والبيهقي في السنن (5/ 98)، وأخرجه ابن ماجة رقم (2987) في المناسك، باب السعي بين الصفا والمروة بنحوه.
وصححه الشيخ الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم (2437).
ومعنى الحديث: أنه لا يقطع بطنا الوادي إلا سعياً.
قال الشيخ الألباني – رحمه الله – في مناسك الحج والعمرة ص (25):
«فيمشي إلى العلم (الموضوع) عن اليمين واليسار، وهو المعروف بالميل الأخضر، ثم يسعى منه سعياً شديداً إلى العلم الآخر الذي بعده. وكان في عهده - صلى الله عليه وسلم - وادياً أبطح فيه دقاق الحصا، فقال - صلى الله عليه وسلم -:
" لا يقطع الأبطح إلا شدا ".» اهـ
فهو سنة باقية كبقاء الرمل في الطواف.
قال الشيخ – رحمه الله – في حاشية الكتاب:
(فائدة) جاء في " المغني " لابن قدامة المقدسي (3/ 394) ما نصه:
" وطواف النساء وسعيهن مشي كله قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أنه لا رمل على النساء حول البيت، ولا بين الصفا والمروة، وليس عليهن اضبطاع.
وذلك لأن الأصل فيهما إظهار الجلد ولا يقصد ذلك في حق النساء؛ لأن النساء يقصد فيهن الستر، وفي الرمل والاضبطاع تعرض للكشف ".
وفي " مجموع " للنووي (8/ 75) ما يدل على أن المسألة خلافية عند الشافعية فقد قال: " إن فيها وجهين:
الأول وهو الصحيح وبه قطع الجمهور: أنها لا تسعى بل تمشي جميع المسافة ليلاً ونهاراً.
والوجه الثاني: أنها إن سعت في الليل حال خلو المسعى استحب لها السعي في موضع السعي كالرجل ".
قلت: ولعل هذا هو الأقرب؛ فإن أصل مشروعية السعي إنما سعي هاجر أم إسماعيل تستغيث لابنها العطشان كما في حديث ابن عباس: " فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها فقامت عليه ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدا؟ فلم تر أحداً، فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي، رفعت طرف ردعها، ثم سعت سعي الإنسان المجهود، حتى جاوزت الوادي، ثم أتت المروة، فقامت عليها، فنظرت هل ترى أحدا؟ فلم ترى أحداً، ففعلت ذلك سبع مرات. قال ابن عباس: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " فذلك سعي الناس بينهما ". أخرجه البخاري في " كتاب الأنبياء "» أهـ
هذا، والله تعالى أعلم.
¥