تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لقد ذكَّرنى ما حدث لهذه السيدة العظيمة بما كان يقع للمسلمين الأوائل فى مكة، مما يصور ابنُ إسحاق شيئا منه فى السطور التالية إذ يقول عن المشركين فى مكة فى بدايات الدعوة: "إنهم عَدَوْا على من أسلم واتبع رسولَ الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه، فوثبت كل قبيلة على من فيها من المسلمين، فجعلوا يحبسونهم ويعذبون، بالضرب والجوع والعطش وبِرَمْضَاء مكة إذا اشتد الحر، من استُضْعِفوا منهم يفتنونهم عن دينهم: فمنهم من يُفْتَن من شدة البلاء الذي يصيبه، ومنهم من يَصْلُب لهم ويعصمه الله منهم. وكان بلال صادق الإسلام طاهر القلب، وكان أمية بن وهب بن حُذَافة بن جُمَح يخرجه إذا حَمِيَتِ الظهيرة في بطحاء مكة، ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره، ثم يقول له: لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد وتعبد اللات والعُزَّى. فيقول وهو في ذلك البلاء: أَحَدٌ أَحَد. وكان ورقة بن نوفل يمر به وهو يعذَّب بذلك، وهو يقول: أَحَدٌ أَحَد، فيقول: أَحَدٌ أَحَدٌ والله يا بلال. ثم يُقْبِل على أمية بن خلف ومن يصنع ذلك به من بني جُمَح فيقول: أحلف بالله لئن قتلتموه على هذا لأتخذنَّه حنانا. حتى مر به أبو بكر الصديق بن أبي قحافة رضي الله عنه يوما، وهم يصنعون ذلك به، وكانت دار أبي بكر في بني جُمَح، فقال لأمية بن خلف: ألا تتقي الله في هذا المسكين؟ حتى متى؟ قال: أنت الذي أفسدته، فأَنْقِذْه مما ترى. فقال أبو بكر: أفعل. عندي غلام أسود أَجْلَد منه وأقوى على دينك، أعطيكه به. قال: قد قبلت. فقال: هو لك. فأعطاه أبو بكر الصديق رضي الله عنه غلامه ذلك، وأخذه فأعتقه.

وكانت بنو مخزوم يخرجون بعمار بن ياسر وبأبيه وأمه، وكانوا أهل بيت إسلام، إذا حميت الظهيرة، يعذبونهم برمضاء مكة، فيمرّ بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: "صَبْرًا آل ياسر. موعدكم الجنة". فأما أمه فقتلوها وهي تأبى إلا الإسلام. وكان أبو جهل الفاسق، الذي يغري بهم في رجال من قريش، إذا سمع بالرجل قد أسلم، له شرف ومنعة، أَنَّبه وأخزاه، وقال: تركتَ دين أبيك، وهو خير منك. لنُسَفِّهَنّ حِلْمَك، ولَنُفَيِّلّنّ رأيك، ولنَضَعَنّ شرفك. وإن كان تاجرًا قال: والله لنُكَسِّدَنّ تجارتك، ولنهلكنّ مالك. وإن كان ضعيفًا ضربه وأغرى به".

وفى "الاستيعاب" لابن عبد البر أن أبا جهل طعن سمية أم عمار بن ياسر بالحربة فى فرجها فقتلها، لعنه الله ولعن هُبَل العصر الذى يقتل كل حرة أبية تؤثر دين التوحيد: يقتلها بيده النجسة التى تستحق قطعها والتى سوف تُشْوَى ويُشْوى بدنه كله ووجهه القبيح المنفر كسَحْنة إبليس الرجيم فى نار جهنم كلما نضج جلده بُدِّل جلدا غيره ليظل يذوق العذاب خالدا فيها أبدا حتى بعد العفو الربانى الشامل عن كل البشر فى نهاية المطاف. لقد حطم الموحّدون الكرام هُبَلَ القديم، فجاءت بعض الحكومات فى عصرنا وجمعت شظاياه وألزقت بعضها إلى بعض ورممته ووضعته على النُّصُب ليفتن المسلمين عن دينهم، وهى تضحك من المسلمين البُلْه فى عُبّها. والله غالب على أمره، ولكن عُبّاد هُبَل وسَدَنته وخُدّام معبده لا يعلمون.

والآن ننظر ونقارن: لقد أخذت ورقةَ بنَ نوفل الحَمِيّةُ، ولم يكن ذا منصب أو سلطان ولا كان قريبا لبلال، فنَهَر من يعذبون بلالا وصرخ فيهم قائلا بكل شجاعة وإيمان إنهم إذا مات فى أيديهم فسوف يتخذ قبره مزارا يترحم عنده على صاحبه ورمزا للصمود والإيمان. أما الشيخ الذى كان ينبغى أن يهب لنجدة أمثال السيدة الكريمة فقد أفتى بأن تعاد الزميلة السابقة لها إلى هُبَل كى يسحقها ويقتلها، فسحقها هُبَل وقتلها دون أن يرمش فى جفنه ولا فى جفن الشيخ الجبان، لعنهما الله، رمش واحد. ولقد نفق الشيخ بعدها بقليل، فإلى حيث ألقت. يا للضلال ويا للخزى أيها الشيخ الذى كان يدرّس القرآن والحديث والتوحيد والسيرة ويلعن هُبَل وعُبّاد هُبَل، فإذا به واحد ممن يرتعبون من هُبَل فِعْل الجاهليين أيام الوثنية الأولى. عليك من الله الخزى، وصيَّر قبرك نارا وعارا وشنارا، وأذاقك عذابا جبارا.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير