تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ويوجد الآن شيوخ آخرون، لكننا لم نسمع لأىٍّ منهم حِسًّا ولو من باب بَرْى العَتَب كما يقال فى الديار الموكوسة، على حين يصول هُبَل ويجول ويصرخ ويأمر وينهى، وأحدهم يقول له فى ذلة واتضاع: إنك تذكّرنى بالنبى فلان فى سماحتك وطيبة قلبك وإنسانيتك. لا يا شيخ! اسم الله عليك وعلى هُبَل فى وقت واحد، وحَشَرك الله مع هُبَل، الذى يذكّرك بالنبى الفلانى فى سماحته وطيبته وإنسانيته. بالله يا شيخ، أهازل أنت أم جاد؟ وبالله يا شيخ، ماذا تقول لربك غدا إذا قَدِمْتَ عليه وسألك: أأنت قلت للناس اتخذوا هذا الهبل مثالا للسماحة وطيبة القلب والإنسانية؟ ألا خيب الله كل خسيس بئيس يرمى بالكلمة الجبانة الخزيانة فتهوى به فى النار سبعين خريفا. من قال إن هبل يشبه النبى فلانا، أو إنه يعرف السماحة والطيبة والإنسانية أصلا؟ إن هذا لمن كلام الأباليس المرجومين، وليس من كلام الناس الطيبين. من قال إن هبل يمكن أن يكون مثال الطيبة والسماحة؟ قل: مثال الإجرام والقباحة! قل: مثال الشيطنة والتناحة! قل: نطّاحٌ ابن نطّاحة! أما الطيبة والسماحة فأنت، والحق يقال، منافق كذاب! والمصيبة بل الكارثة أنك تعلم أنك منافق كذاب. وإنّ غَدًا لِنَاظِرِه قريب! وهل تظن أنك سوف تفلت من غضب الله يا مادح هُبَل؟ هل تظن أن هُبَل نافعك بشىء؟ لسوف يُجَرّ العُتُلّ ويُطْرَح فى الزفت المغلى والقطران الفائر الثائر ويقال له: ذق، إنك أنت الشيطان الرجيم. ولسوف يُؤْتَى بكل من نافقه وأعانه على ما يصنع بالحرائر المسلمات الكريمات ويُسْقَى من الزفت والقطران معه حتى تسيل أمعاؤه من دبره ويستغيث فلا يغيثه أحد.

لقد كان فى الجاهلية رجال شرفاء يَعِزّ عليهم أن يُؤْذَى بينهم ضعيف. أما الآن، وفى المجتمعات التى تسمى نفسها: مسلمة، فلا يوجد رجل. نعم لا يوجد رجل ملء هدومه، بل كلهم لبس الطَّرْحة ودخل الجحر كالفأر الذليل وأغلق فمه بالضبة والمفتاح، وكتب عليه: أستحلفكم، لا تزعجونى، فإنى جبان! فلْيطمئنّ الفَأْرُ الفارُّ الجبان، فلن نزعجه لأننا نعرف أن الجِرْذان لا تستطيع لنفسها شيئا، فكيف لغيرها تستطيع؟ واصبرى أيتها السيدة العظيمة، فقد خلت الموكوسة من الرجال، ولا تنتظرى عونا من أحد، فليس فى الموكوسة إلا جرذان. لقد تخلى الجميع عنك يا سيدتى العظيمة، بل شاركوا فى الحقيقة فى نحر حريتك، فارتكسوا فى مجارى العطانة والنتانة والنجاسة والرجاسة، وازددتِ أنت كرامة وإنسانية ونبلا وشرفا وحَلَّقْتِ عاليا فى أجواز الفضاء حتى بَلَغْتِ ذروة السماء، ولم أكن أتصور أن يبلغ أحد فى الديار الموكوسة هذا العلوّ الشاهق الذى يدوخ العقل ولا يستطيع أن يدرك مداه. امرأة صغيرة لا حول لها ولا طول، اللهم إلا إيمانها بالله، تقف هذا الموقف البطولى الرائع الذى لا يستطيعه معظم الرجال؟ ألا إن هذا لعجيب.

يكفيك ربك وإيمانك أيتها السيدة العظيمة، فلا تنتظرى أن يهبّ لنجدتك أحد، فقد أصبح الكل خصيانا عاجزين. نعم لقد تركك الجميع، بل أسلموك للوحش الذى فرّغ الله قلبه من المشاعر الإنسانية وكتب عليه أن يعيش على الدماء والأشلاء. نعم تخلى عنك الجميع: رؤساء ووزراء وجيشا وشرطة وأحزابا وصحفيين ومدرسين وأساتذة ومشايخ ورجال قانون وفلاحين وعمالا وتجارا وحوذية وصيادين وتجّارا وصُنّاعا وفلاحين ودُعّارًا وعفيفين وجادّين ولاعبين ونوابا عن الشعب حقيقيين ومدلّسين وحكومة ومعارضين ولصوصا وشحاتين وخواصّ وعامّيين، تركوك لهذا البلاء الذى أثبتِّ أنك قادرة على تحمله، واستنجدت بالقرآن فى محنتك حين واجهتِ، وحدك عزلاء، هُبَل الخَرِف الذى مَرَدَ على أكل لحوم البشر، ومن حوله شياطينه المتوحشون من كل دراكولا مصاص للدماء أَسْوَد الشعار والسَّحْنة والقلب والعقل والضمير، تبرز أنيابه السامة خارج فمه بشعة شنيعة مضرجة بدماء الضحايا وقد نَشِبَتْ فيها بقايا لحومهم، فأنجدك القرآن حيث لم ينجدك أحد من الخصيان، لعنة الله عليهم إلى يوم الالتقاء برب السماء.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير