تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وثَمَّ حكاية أخرى من نفس الوادى هى حكاية أبى بَصِير، رضى الله عنه وأرضاه. ولنقرأ معا أيضا ما قاله ابن هشام فى "السيرة" عن صلح الحديبية وثمراته: "يقول الزّهْرِىّ: "ما فُتِح في الإسلام فتحٌ قبله كان أعظم منه. إنما كان القتال حيث التقى الناس. فلما كانت الهدنة ووضعت الحرب وأَمِن الناس بعضهم بعضا والتقَوْا فتفاوضوا في الحديث والمنازعة فلم يكلَّم أحد بالإسلام يعقل شيئًا إلا دخل فيه. ولقد دخل تَيْنِكَ السنتين مثلُ من كان في الإسلام قبل ذلك أو أكثر". والدليل على قول الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى الحديبية في ألف وأربعمائة في قول جابر بن عبد الله، ثم خرج عام فتح مكة بعد ذلك بسنتين في عشرة آلاف.

فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أتاه أبو بصير عُتْبَةُ بن أُسَيْد بن جارية، وكان ممن حُبِس بمكة. فلما قَدِم على رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب فيه أزهر بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة والأخنس بن شريق بن عمرو بن وهب الثقفي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعثا رجلاً من بني عامر بن لؤي، ومعه مولى لهم، فقدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب الأزهر والأخنس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا بصير، إنا قد أعطينا هؤلاء القوم ما قد علمت، ولا يصلح لنا في ديننا الغدر. وإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا. انطلق إلى قومك. قال: يا رسول الله، أتردّني إلى المشركين يفتنونني في ديني؟ قال: يا أبا بصير، انطلق فإن الله تعالى سيجعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجًا ومخرجًا. فانطلق معهما، حتى إذا كان بذي الحُلَيْفة جلس إلى جدار، وجلس معه صاحباه، فقال أبو بصير: أصارمٌ سيفُك هذا يا أخا بني عامر؟ فقال: نعم. قال: أَنْظُرً إليه؟ قال: انظر إن شئت. فاستلَّه أبو بصير ثم علاه به حتى قتله. وخرج المولى سريعا حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو جالس في المسجد. فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم طالعًا قال: إن هذا الرجل قد رأى فزعا. فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ويحك! ما لك؟ قال: "قتل صاحبكم صاحبي". فوالله ما برح حتى طلع أبو بصير متوشِّحًا بالسيف حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله وَفَّتْ ذمتك، وأدى الله عنك. أسلمتَني بيد القوم، وقد امتنعتُ بديني أن أُفْتَن فيه أو يُعْبَث بي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ويْلُ أمه مِحَشّ حَرْب لو كان معه رجال! ثم خرج أبو بصير حتى نزل العيص من ناحية ذي المروة على ساحل البحر بطريق قريش التي كانوا يأخذون عليها إلى الشام. وبَلَغ المسلمين الذين كانوا احتبسوا بمكة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بصير: "ويل أمه مِحَشّ حربٍ لو كان معه رجال"، فخرجوا إلى أبي بصير بالعيص، فاجتمع إليه منهم قريب من سبعين رجلاً. وكانوا قد ضيقوا على قريش: لا يظفرون بأحد منهم إلا قتلوه، ولا تمر بهم عِيرٌ إلا اقتطعوها، حتى كتبت قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله بأرحامها إلا آواهم، فلا حاجة لهم بهم. فآواهم رسول الله صلى الله عليه، فقدموا عليه المدينة".

والآن أين الفرج والمخرج اللذان يضمنهما أولئك المنافقون للمفتونات عن دينهن؟ لقد كان الرسول يتحدث عن وحى أوحاه الله إليه، فهو مطمئن إلى ما يقول، وهو ما صدّقته الأحداث، بينما تأتينا الأحداث كل يوم بالبلايا والرزايا حتى لقد طمعت الكلاب فى إخراجنا من بلادنا، وتعمل جاهدة من أجل ذلك على مسمع منا ومرأى. ثم إن السيدات والآنسات الكريمات اللاتى يخترن التوحيد فتسلمهن الحكومة السنية إلى هُبَل يدخلن مغارة "إبليس بابا والأربعين دراكولا" فلا يَرَيْنَ نور الحياة بعد ذلك أبدا. وها نحن أولاء نسمع، ولم يمرَّ على تسليم السيدة العظيمة إلى هُبَل وزبانيته إلا عدة أسابيع، أنها قد جُنَّتْ من السحر الأسود الذى يمارسونه عليها والأدوية السامة التى يجرّعونها إياها بالقوة والإكراه. فهل حدث شىء من هذا لأبى بصير؟ ثم إن أبا بصير وزملاءه قد استطاعوا أن يُفْلِتوا من أيدى المشركين ويحيلوا حياة معذبيهم إلى جحيم، فهل أرسل إليهم المسلمون فرقة من مباحث أمن دولتهم تعتقلهم وتسبهم وتضربهم وتعيدهم إلى المعتقلات الهُبَلِيّة؟ وهل كان عندهم جنرال

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير