تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتب الكتاب هو وسهيل بن عمرو إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يَرْسُف في الحديد قد انفلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجوا وهم لا يشكّون في الفتح لرؤيا رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رَأَوْا ما رَأَوْا من الصلح والرجوع وما تحمَّل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفسه دخل على الناس من ذلك أمر عظيم حتى كادوا يهلكون. فلما رأى سهيلٌ أبا جندل قام إليه فضرب وجهه وأخذ بتلبيبه ثم قال: يا محمد، قد لَجَّتِ القضية بيني وبينك قبل أن يأتيك هذا. قال: صَدَقْتَ. فجعل ينتره بتلبيبه ويجره ليرده إلى قريش، وجعل أبو جندل يصرخ بأعلى صوته: يا معشر المسلمين، أَأُرَدّ إلى المشركين يفتنونني في ديني؟ فزاد ذلك الناسَ إلى ما بهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا جندل، اصبر واحتسب، فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعَفين فرجًا ومخرجًا. إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحًا، وأعطيناهم على ذلك وأعطَوْنا عهد الله، وإنا لا نغدر بهم. قال: فوثب عمر بن الخطاب مع أبي جندل يمشي إلى جنبه ويقول: "اصبر يا أبا جندل، فإنما هم المشركون، وإنما دم أحدهم دم كلب"، ويُدْنِي قائمَ السيف منه. يقول عمر: رجوتُ أن يأخذ السيف فيضرب به أباه. فضَنَّ الرجل بأبيه ونفذت القضية".

هذا ما جاء فى "سيرة ابن هشام" مما يتخذه بعض المنافقين متكأ لتسويغ جبنهم وفتاواهم المستخذية، وهم يعلمون قبل غيرهم أنهم منافقون. فلننظر الآن فى الرواية لنرى كيف لواها منافقونا لكى يخرجوا منها بما يستر سوآتهم القبيحة: لقد كانت هناك دولتان يفصل بينهما مئات الكيلات تم إبرام معاهدة بينهما. فهل عندنا الآن دولتان؟ وهل هُبَل وكهان معبده يمثلون دولة؟ فما اسمها؟ وأين حدودها وعَلَمها؟ وما نظامها السياسى؟ ومن رئيسها؟ ومن وزراؤها؟ أفتونا بصدق أيها المنافقون. ثم هل هناك معاهدة بين الديار الموكوسة وبين هُبَل؟ أَرُونا هذه المعاهدة إن كان لتلك المعاهدة وجود. وهل قام النبى بتسليم أبى جندل للمشركين كما يفعلون فى الديار الموكوسة؟ إن كل ما فعله هو أنه تركه ولم يقبله عنده، لكنه لم يأخذه من يده ويعطيه لهم، فضلا عن أن يخدعه ليوقعه فى الخيّة ويطارده فى الشوارع ويقبض عليه ويضربه ويسبه ويسب أباه وأمه ويشجّ رأسه حتى ليحتاج إلى عملية جراحية. كما أن الذى أخذه هو أبوه، الذى كان يمثل الطرف الثانى فى المعاهدة، وليس شخصا آخر. ولقد حاول عمر أن يمد له يد المساعدة فاقترب منه وأسرّ إليه بكلام وهو يقرّب سيفه منه لعله يأخذه فيجهز على أبيه فى الحال ويستريح من العناء والفتنة دون أن تخرج الدولة عن التزاماتها. فهل اعتقل النبى عمر وعذبه حتى يكف عن ذلك مستقبلا؟ ثم لا ننس أن أبا سهيل رجل، أما فى حالتنا فهناك سيّدة كريمة لا يمكنها الدفاع عن نفسها لا بسيف ولا برمح ولا حتى بيد مقشة. ثم ألم يقرأ المنافقون العليمون، والمنافق العليم هو أخبث وأفحش ضروب المنافقين، ما قاله القرآن عن السيدات والآنسات إذا جئن المسلمين مهاجرات من الشرك إلى التوحيد؟ ألا يعرفون آية سورة "الممتحنة" التى تصكهم فى وجوههم اللئيمة وتكذّبهم وتفضح نفاقهم وتدليسهم وتزييفهم إذ تقول: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآَتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ... "؟

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير