الأول: أن اللات التي نعى الله عليهم دعاءها ليست إلا علما على رجل صالح كان يلتّ السويق للحجاج، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما؛ فكانوا على التحقيق يدعونه، وقس على اللات غيره كيغوث ويعوق ونسر، سواء بسواء، كما يدعو أهل زماننا موتى الصالحين أو من يظنونهم كذلك.
الثاني أن الآيات التي تقدم ذكرها وغيرها عامة وجلية في بيان أن من دعا غير الله، أو ناداه، فقد اتخذه إلهًا، وإن ادعى عدم ذلك، والقول بتخصيصها بالأصنام تحكم مبناه على اتباع الهوى لاغير، فلا يسعفه علة، ولا يدل عليه معنى، وإليك بيانه باختصار:
قال تعالى: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} [المؤمنون: 117] ولما كان الله تعالى لا معبود بحق سواه، ثبت أن ليس ثَمّ إلهٌ عليه برهان، فكان من يدعو غير الله تعالى متخذًا إلها آخر ولابد، وتأمل إن شئت خاتمة الآية {إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ}.
ومما يدل على العموم، وأنه غير مختص بالأصنام الحجرية، قوله تعالى: {إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر: 14]، هذه الآية نص في كون دعاء غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله تعالى شرك كما تراه جليًا، وكذلك فيها إشارة إلى أن المدعوين من العقلاء وغيرهم أيضا، وإن كان متعلق الخطاب بالعقلاء أظهر لقوله {يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ}؛ واشتملت أيضا على الإيماء بأن من يصر فيدعو موتى الصالحين، لم يقبل خَبَر الخبير الغيبي، ولا أمره العيني.
بيان: متى تكون الاستعانة أو الاستغاثة بغير الله جائزة:-
قد يشكل هذا الكلام على أقوام فيقال إذا كانت الاستغاثة بغير الله شركا فما حال الغريق الموشك على الهلكة وحوله أناس قد ينقذونه؟
الجواب أن الله تعالى إنما حرم الاستغاثة بغيره فيما جرت العادة أنه لا يقدر عليه إلا الله تعالى، ولذلك قال عز في علاه: {إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر: 14]
أما طلب المعونة والنجدة من الحي بشرط أن تكون في دائرة المقدورات عادة فلا يؤاخذ عليها وليست من الشرك في شيء.
وختاما ..
فإن الله أرشدنا لدعائه هو فقال:
{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ} [البقرة: 186]، فكل من دعا غيره لم يقنع بقربه تعالى، كما أرشد النبي صلى الله عليه وسلم وقال لحبر الأمة ”إذا سألت فاسأل الله، و إذا استعنت فاستعن بالله“ [رواه الترمذي وقال حسن صحيح].
ثم تفضل علينا سبحانه ببيان المسلك الذي يحبه في دعائه هو، فقال: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: 180] فأرشد لطريقة دعائه.
ثم حذر من الوقوع في الشرك به بدعاء غيره فقال سبحانه: {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ * وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [يونس: 106، 107].
ثم تحدى من يدعون غيره وتهكم بهم فقال: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا} [الإسراء: 56]
ثم أثبت أن من تلبس بهذا المنكر فقد أشرك لأن دعاء غيره ليس إلا اتخاذه إلها، فقال {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [النمل: 62]، فإياك أخي ثم إياك أن تقطع حبل الله الممدود إليك بنصب الوسائط بينك وبين الله، وقد وقع في عبادتهم من فعل ذلك، وإن كان يزعم التوصلّ بهم إلى الرب ويسمي فعله التوسلّ، كذلك فعل الذين من قبل فقالوا مثل هذا.
ـ[أبو إسحاق الحضرمي]ــــــــ[06 Sep 2010, 10:11 م]ـ
بارك الله فيكم شيخنا الكريم، وشكر الله لكم
هناك رسالة مختصرة لأحد مشايخنا بحضرموت بعنوان: (تنبيه أهل الكياسة إلى الفرق بين التوسل والاستغاثة) للشيخ أحمد بن علي برعود - حفظه الله - تقديم: الشيخ العلامة: عبد الله بن عبد الرَّحمن الجبرين - رحمه الله -. من مطبوعات دار الصديق للنشر والتوزيع - صنعاء.
وإذا أمكن أن نرسل لك نسخة فأخبرنا كيفية وصولها إليك، وإلا سأبعث بعض النسخ للمشرف العام الدكتور عبد الرحمن الشهري - وفقه الله - وهو يتولَّى توزيعها.