ومن أكثر أدواء النفس خفاءً وخطورة: العُجب والاعتداد بالرأي؛ فهو باب عريض من أبواب الفساد والسقوط؛ ولهذا قال النبي #: «ثلاثٌ مهلكات: شحٌّ مُطاع، وهوى متَّبع، وإعجاب المرء بنفسه» [5]. فإذا اجتمع الهوى والعُجب في النفس ازداد هلاكُ الإنسان، ومن دقائق الملاحظة التي تدل على النباهة وعمق البصيرة قول عبد الله بن المبارك - رحمه الله تعالى -: (لا أعلم في المصلين شراً من العُجْب) [6].
وبعض الناس إذا قرأ كتاباً أو كتابين، وكتب مقالة أو مقالتين، استعلى بنفسه، وطار بها عجباً، وظن أنَّه أصبح مفكراً من كبار المجددين المبدعين، ولا يزال التيه يسيطر على عقله وفكره حتى يؤدي به إلى ازدراء مَنْ حوله، والتقليلِ من شأنهم، والاستخفاف بهم، بل التطاول عليهم إذا خالفوه!
ومما يحسن التنبيه عليه في هذا السياق: أن المستعلي برأيه إذا أخطأ في مسألة استنكف استنكافاً شديداً عن الاعتراف بالخطأ، والرجوع إلى جادة الصواب، وقد يدفعه استعلاؤه إلى مزيد من التعصب والاستمساك بالخطأ، ظناً منه أنَّ سبيل الرفعة إنما يكون بالتعالي والتعاظم!
رابعاً: ومن أدواء النفوس أيضاً: التطلع إلى الصدارة، والبروز نحو الأضواء، والمسارعة إلى التزيُّن أمام الناس: وقد بيَّن النبي # خطورة ذلك بذكر مَثَل واضح جَلِي، فقال #: «ما ذئبان جائعان أُرسِلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال، والشرف لدينه» [7]. وهذه هي الشهوة الخفية التي كان يخافها شداد بن أوس - رضي الله عنه - على أصحابه [8].
وكثير ممن يقع في هذا الداء لا يسلم من أحد أمرين:
أحدهما: القدح في سلامة القصد، وحُسْن النية، وكفى بهذا إثماً وفساداً.
الثاني: التشبع بما لم يعطَ.
لكن ما علاقة هذا بالقلق الفكري؟
الحقيقة أن وهج الأضواء، وبريق الإعلام، يدفع بعض الناس أحياناً إلى التعالم، وإلى الرغبة في التميز، وقد لا يتحقق ذلك - عند ضعف البضاعة - إلا بالإغراب، والحرص على تتبع الأغلوطات، ومخالفة العلماء والتيار السائد ليس بسبب الاجتهاد العلمي، ولكن المخالفة لمجرد المخالفة.
خامساً: قصور العلماء والدعاة في الحوار مع هؤلاء الشباب، والتهاون في استيعابهم: وهو ما أوجد قطيعة فكرية وفجوة تربوية معهم، وزاد من حدَّتها أن بعض العلماء والدعاة ربما احتدَّ أحياناً في تسفيه أفكارهم أو التقليل من شأنهم، فأدى ذلك إلى استفزازهم، وتعصبهم، ومقابلتهم لغيرهم بالعزة في الرأي والمعاندة، والإعراض عن نقد الآخرين، والاستفادة من آرائهم.
[1] أخرجه: البخاري في كتاب العلم، رقم (34)، ومسلم في كتاب العلم، رقم (2673).
[2] أخرجه الدارمي في سننه: (1/ 68 - 69)، ولهذا الأثر طرق كثيرة، صحح بعضها الهيثمي في مجمع الزوائد: (1/ 181).
[3] قال عمر بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ: (من جعل دينه عرضاً للخصومات أكثر التنقل)، رواه: اللالكائي في شرح اعتقاد أهل السنة (1/ 128)، والآجري في الشريعة (ص56). وعبد الله ابن الإمام أحمد في السنة (1/ 138).
[4] رسائل الإصلاح: (1/ 99).
[5] أخرجه: البزار، كما في كشف الأستار عن زوائد البزار، رقم (80)، وحسنه الألباني لشواهده في السلسلة الصحيحة، رقم (1802).
[6] سير أعلام النبلاء: (8/ 407).
[7] أخرجه: الترمذي، رقم (2376)، وقال: حسن صحيح، وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
[8] قال شداد بن أوس ـ رضي الله عنه ـ: (يا بقايا العرب، يا بقايا العرب، إنما أخاف عليكم الرياء والشهوة الخفية) وفسر أبو داود الشهوة الخفية بحب الرياسة، انظر: شرح حديث أبي ذر لابن تيمية (ص25).
المصدر: مجلة البيان العدد 277 رمضان 1431هـ ( http://www.albayan-magazine.com/bayan-277/bayan-20.htm)
ـ[أبو تيماء]ــــــــ[15 Sep 2010, 09:19 ص]ـ
...
...
خامساً: قصور العلماء والدعاة في الحوار مع هؤلاء الشباب، والتهاون في استيعابهم:
وهو ما أوجد قطيعة فكرية وفجوة تربوية معهم، وزاد من حدَّتها أن بعض العلماء والدعاة ربما احتدَّ أحياناً في تسفيه أفكارهم أو التقليل من شأنهم
فأدى ذلك إلى استفزازهم، وتعصبهم، ومقابلتهم لغيرهم بالعزة في الرأي والمعاندة، والإعراض عن نقد الآخرين، والاستفادة من آرائهم.
...
هذه الأخيرة .. التي تثنى عليها الخناصر!
بوركت مشرفنا لحمل لواء مجابهتها ..
ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[15 Sep 2010, 03:56 م]ـ
¥