3 - أن شفاعة الرسول عامة لكل موحد كما في حديث (فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لايشرك بالله شيئا) فهذا عموم محفوظ لايستثنى منه أحد من الموحدين لا المنتحر ولا المسؤول الفاسد ولا المجاهر بالمعصية ولاغيرهم إلابدليل. نعم ورد عند البيهقي وغيره استثناء بعض الظلمة والغلاة من الشفاعة ولكن الحديث ضعيف لاتقوم به حجة وعلى تقدير احتماله للتحسين بتعدد الطرق فيمكن حمله على بعض صور الشفاعة في الجنة فإن شفاعة النبي لاتختص بدرء العقاب بل تكون أيضا في زيادة الثواب كما هو معروف.
4 - أن شفاعة النبي منوطة بالتوحيد وجودا وعدما وتحقيق هذا الشرط ليس يسيرا كما يتخيله كثير من الناس؛ فالشهادة ليست مجرد كلمة تنطق باللسان؛ وإنما هي قول وعمل؛ فمن لم ينف مانفت من الشرك ويثبت ما أثبتت من التوحيد فلاقيمة لشهادته. وقد ورد في كلامكم إشارة لطيفة لذلك (وليسوا من جماعة مدد يا حسين، مدد يا بدوي)؛ فمن نطق بالشهادة وهو يدعو غير الله فيما لايقدر عليه إلا الله، أويذبح لغير الله بنية التقرب والتعبد له، أويصرف نوعا أو فردا من العبادة لغير الله؛ كما هو حال كثير من الناس! فهذا الضرب ماقيمة شهادته وهويناقضها روحها وحقيقتها بتصرفاته وأفعاله!
5 - إثبات الشفاعة على وجه العموم لكل موحد لايستلزم الإرجاء ولاالتهاون في شأن أرباب الكبائر؛ لأن الشفاعة قد تحصل ابتداء وقد تحصل بعد تعذيب على أن بعض أهل السنة قطع بأنها إنما تحصل بعد العذاب؛ وحينئذ فغمسة واحدة في النار تنسي أنعم أهل الدنيا كل نعيم كان فيه. فمابالك إذا كان الحال أعظم من ذلك بكثير! وأن منهم من تصيبه النار حتى يكون فحما فإذا أذن فيهم بالشفاعة جيئ بهم ضبائر ضبائر فبثوا على أنهار الجنة ثم قيل: ياأهل الجنة أفيضوا عليهم فينبتون نبات الحبة تكون في حميل السيل!!! أليس هذا الوعيد الهائل كافيا في عقاب عصاة الموحدين مهما كان جرمهم!
6 - أنا نرجو المغفرة لبعض أصحاب الكبائر لا كلهم ولكنا نقطع بعدم خلود أحد منهم في النار؛ وهذا الحكم لايختص بحق الله بل يعم حق العباد الخاص والعام، ولكن مايتعلق بحق الله أدنى للمغفرة ومايتعلق بحق العباد أدنى إلى المؤاخذة وقد يغفر ببعض الحسنات الماحية؛ كالحج المبرور فقد صح أن الله يتحمل عن صاحبه التبعات وقد ألف ابن حجر كتابا مفردا في ذلك سماه (قوة الحجاج في عموم المغفرة للحجاج)! ولكن الشرط شديد، وبر الحج ليس سهلا، ومن شرطه الا يكون بمال حرام .... الخ؛ ولهذا قيل لبعض السلف الحاج كثير قال الداج كثير والحاج قليل! وكذلك قد يتحمل الله التبعات بالنوايا الصالحة كما في حديث من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه.
7 - أن مغفرة الكبيرة عند أهل السنة لاتكون بمجرد التوبة كما ذكرتم ولكنها تكون بأمور كثيرة بعضها من العبد؛ كالحسنات الماحية؛ وهي المقبولة قبول رضا أو قبول ثواب؛ وبعضها من الخلق؛ كالدعاء والشفاعة؛ وبعضها من الله؛ كالمصائب المكفرة والعفو المحض بلا سبب من العباد! وهذا يقوي رجاء العبد لنفسه ولغيره دون أن يصل به إلى الإرجاء؛ لأنه ينظر بعينه الأخرى إلى محبطات الأعمال؛ ومن جملتها الكبائر عند المحقيين من أهل السنة؛ فإن الكبيرة تحبط مايعادلها من الحسنات؛ فالربا مثلا يبطل حسنة الجهاد وهكذا! وهو جانب خطر يغفل عنه كثير من الناس نظريا وعمليا، ولكن ينبغي التنبه إلى ماقرره ابن رجب من الفرق بين مذهب أهل السنة والوعيدية في الإحباط؛ فالوعيدية يحبطون الإيمان بالكبيرة وأهل السنة يجعلون الإحباط في العمل دون الإيمان!
8 - وهكذا نرى أن الله كما جعل للكبيرة مايقتضي غفرانها فقد جعل للحسنات ماقديذهب ثوابها؛ ليبقى المرء دائرا بين خوف العقاب ورجاء الثواب دون أن يستقل به أحدهما! وليس المقام سهلا ولايستبين لكل أحد حتى إن ابن القيم وقف في هذا الموضع طويلا ثم قرر في الوابل الصيب أن الذي تحرر عنده أن الحسنات والسيئات تتدافع وتتقابل فأيهما غلب كان التأثيرله!
9 - ذكر الأخ رصين اسم العدل وأن موجبه مؤاخذة المجرم بجرمه! وهذا حق ولكن يجب النظر مع ذلك لجانب الفضل؛ وأن من مقتضى أسمائه الحلم والعفو والمغفرة كما أن من مقتضاها العقاب والقهر والبطش والانتقام؛! والله اعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ـ[رصين الرصين]ــــــــ[20 Sep 2010, 03:51 م]ـ
هكذا يكون الجواب تفصيليا وإلا فلا
بارك الله فيكم دكتور ونفع بكم، وغفرلنا ولكم