تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يُنقَل بعد هذا إلى قصر الخليفة ببغداد خادما فى المطبخ. ثم بعد مكوثه فترة في بغداد ودخوله فى الإسلام يقرِّر العودة إلى مصر كي يقابل ثاونا ويدعوه إلى الدخول في الدين الجديد. وفي طريق العودة يقضي سنوات في فلسطين درويشًا، ليتابع بعد ذلك طريق عودته إلى بلده، فيصل إلى معلِّمه، الذي كان على فراش الموت، ويحاول هدايته إلى الدين الجديد، لكنه يرفض ويموت عقب ذلك. أما بدير فيتحول إلى درويش يجوب الطرقات متعرضًا للأذى والإهانة، جاعلاً علاقته على نحو مباشر مع الله سبحانه وتعالى.

ونبدأ بزاوية السرد، ومعروف أن راوى القصة، وهو بطلها أيضا، قد أسلم فى النصف الثانى منها. ومعنى هذا أنه، طوال روايته لأحداث القصة والتعليق عليها، كان مسلما، إذ لا يروى الإنسان قصة مثل هذه إلا بعد أن تكون قد اتخذت شكلها النهائى وأصبح لها مغزى يحب أن يعرضه على الآخرين. ومع هذا نراه ينطلق فى سرده للنصف الأول من أحداث الرواية من زاوية نصرانية، وكأنه لم يعتنق دين محمد صلى الله عليه وسلم رغم أنه قد أعلن مرارا اعتزازه بدينه هذا الجديد واقتناعه التام به. بل لقد عاد الراوى من بغداد إلى الأب ثاونا مرشده الروحى فى مصر كى يدعوه إلى اللحاق به فى دينه الجديد، وأخذ يغريه لعله ينتقل معه إلى دين سيد الأنبياء والمرسلين. ورغم هذا نفاجأ، كما قلت، بأنه فى روايته لأحداث الرواية والتعليق عليها فى نصفها الأول وتقويم الأشخاص والحكم عليهم إنما ينطلق من كونه نصرانيا لا يزال. فنراه، بالنسبة إلى الفترة التى كان فيها نصرانيا، يمجد التثليث ويدافع عنه ويبدى تمسكه بكل ما هو نصرانى ويفتخر به ويتألم إذا خرج أحد على شىء منه ويذكر ممارساته للعبادات النصرانية بكل اعتزاز ... وهكذا. وإذا تكلم عن الإسلام كما هو الحال مثلا فى الصفحة رقم 41 قال: "الملة الإسلامية"، "دولة الإسلام"، "قرآن المسلمين"، "رسولهم" ... إلخ مع أنه كان قد صار فى ذلك الوقت واحدا من المؤمنين بهذا الرسول، وبالقرآن الذى نزل عليه، وبالملة التى جاء بها.

بل إنه ليروى (ص101 - 102)، روايةَ المصدق المتألم، أخبار اعتداء المسلمين على الأديرة والرهبان والراهبات بأمر والى مصر فى ذلك الوقت. ومنها حكاية شنيعة غاية الشنع لا يمكن تصديقها لمناقضتها ما هو معروف عن المسلمين حول راهبة فاتنة الجمال منقطعة إلى عبادة المسيح فى أحد الأديرة منذ طفولتها أراد أحد المسلمين الاعتداء على عرضها. وهى من الحكايات الخرافية التى يبرع فى تزويرها بعض النصارى تمجيدا لتاريخهم وتشويها لخصومهم كما يحدث الآن من تضخيم ومبالغات واختراعات للإساءة إلى المسلمين بكل سبيل. وما خرافات سلق الفاتحين المسلمين للأقباط فى قدور والتهامهم (بالهنا والشفا)، وإعادة يَدَىْ يوحنا الدمشقى المقطوعتين إلى موضعهما من ذراعيه إثر ظهور العذراء له فى المنام عقب قطعهما، وطيران جبل المقطم، وسيلان دموع العذراء من عيون صورها الجدارية، والظهورات الموسمية من فوق أبراج الكنائس بغريبة علينا.

وكان ينبغى أن تضع الكاتبة تلك الحكاية على بساط التحقيق بطريقة فنية طبيعية بدلا من سوقها بعَبَلها سَوْقَ من وقعت يده على كنز ثمين، فهو حريص عليه يخاف أن يضيع منه. وهى نفسها قد سوَّغَتْ، على لسان بدير الراوى، معاملة المسلمين الطيبة له حين عرفوا أنه من رجال الكنيسة بأن القرآن قد أوصى بأهل الكتاب خيرا (ص228). فلم نسيت إذن هذا الكلام حين نقلت ما نقلته عن ساويرس بن المقفع من سخف لا يمكن قبوله عقلا؟ ثم إن أهل الكتاب ليسوا هم رجال الكنيسة وحدهم، بل النصارى كلهم من رجال دين وناس عاديين، وكذلك اليهود. وهذه الإضاءة نقولها على الطائر ثم نمضى فلا نتوقف عندها كثيرا ولا نجعل منها قصة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير