تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وملخص الحكاية أنه كان بِدَيْر العذارى فى بلاد البشمور ثلاثون راهبة عذراء مَلَكَهُنّ عسكر الوالى المذكور، وكانت فيهن صبية دخلت الدير وهى ابنة ثلاث سنين، فلما نظروا إليها بُهِتوا من شدة حسنها فأخذوها وتشاوروا ماذا يصنعون بها. فاقترحت عليهم الصبية ذاتها أن يحضروا مقدَّمهم كى تخبره بما هو أنفع لهم. فلما حضر أخبرته بأن آباءها كانوا يدهنون أجسادهم عند الحرب بمرهم معين يحميهم من القتل، وأنها سوف تريه ذلك المرهم وتثبت له عمليا صدق قولها ثم تشرح له كيفية تحضيره لقاء إطلاق سراحها والتخلية بينها وبين العبادة، التى وُهِبَتْ لها منذ الصغر. ثم إنها أحضرت الدهان وطلت وجهها ورقبتها، ثم طلبت منهم أن يجربوا سيوفهم فى رقبتها بكل ما فيهم من قوة، وهى زعيمةٌ أن الدهان سوف يحمى رقبتها من القطع. فما كان من المقدَّم إلا أن أهوى بسيفه على عنقها فجَزَّه. فعلم المسلمون ساعتئذ أنها إنما لجأت إلى تلك الحيلة حتى تحمى عرضها من اعتداءاتهم. فأخذوا يمجدون الله تاركين بقية الراهبات لم يمسوهن بأى سوء. ثم يمضى بدير قائلا إنه هو وثاونا أخذا يمجدان الله أيضا ناويين متى عادا إلى الفسطاط أن يخبرا رئيس الدير هناك بالواقعة، وكأنها واقعة حقيقية. أى أنه، وهو المسلم، لم يخطر له أن يضعها موضع التمحيص على الأقل، إن لم يكن موضع الإنكار، لأنها تخالف تماما ما عُرِف عن المسلمين من احترام بيوت العبادة والإبقاء على حياة الرهبان والراهبات فلا يتعرضون لهم بشىء. ترى هل يعقل أن يكون الشخص مسلما ثم ينطلق فى كلامه ومشاعره وأفكاره من منطلق نصرانى على هذا النحو؟ ألا إن ذلك لعجيب.

قد يقال إنه إنما كان يروى وقائع الرواية أولا بأول، وإنه، حين كان ينطلق من هذا المنطلق، كان نصرانيا لا يزال. لكن هذا تفسير لا يقنع أحدا، إذ الواحد منا حين يروى أحداثا كثيرة تستغرق سنين طوالا كالأحداث التى رواها بدير، لا يحكيها أولا بأول، بل يحكيها بعد أن يكون قد فرغ منها واتخذت شكلها النهائى، اللهم إلا إذا كان مخبولا، فهو يمشى فى الطرقات معلقا على كل ما يرى ويسمع. بل إن المجانين أنفسهم لا يفعلون هذا. وحتى لو فعلوا فإنهم لا يروون الوقائع بهذا الترتيب ولا يكون فى ذهنهم خطة لكتابة رواية بهذا الشكل ولا غرض يريدون تقريره فى النفوس على ذلك النحو الذى فى الرواية، بل يعيشون فى قوقعة نفوسهم المضطربة المشوشة، ويتحدثون بلغة مرتبكة متناثرة غير مفهومة، ويرون الأشياء على نحو غائم لا يساعدنا على متابعة ما يقولون. لو أن الرواى كان معلقا فى مباراة كرة قدم مثلا لكان ما صنعه مفهوما، إذ المعلق فى مثل تلك الحالة يصف ما يقع أمامه أولا بأول. لكننا هنا لسنا إزاء معلق كروى، علاوة على أن المعلق الكروى لا يخطط مسبقا لما سيقول ولا ينسّقه بحيث ينجم عنه عمل فنى مثلما هو الحال فى الروايات. كما أن المعلق الكروى، أو أى معلق فى الدنيا على أى شأن من شؤون الدنيا، لا يأخذ كل ذلك الزمن الطويل معلقا على ما يقع أمامه مثلما هو الأمر مع بدير، الذى تناول بالرواية حوادث أعوام وأعوام لا فى بلد واحد فحسب بل فى بلاد متعددة رأى فيها من الوقائع والأشخاص والمناظر وخاض فيها من التجارب وقاسى فيها من المآزق ما لا يخطر على بال. ثم لا ينبغى أن ننسى أن الرواى كان يصطنع طوال حكايته للأحداث صيغة الماضى، وهى الصيغة التى لا يصطنعها من يعلقون على أحداث تقع أمام أعينهم، بل يصطنعنون صيغة المضارع كما هو معلوم. لقد كان هناك منفذ للكاتبة يمكن أن يأخذ بيدها ويخرجها من هذه الورطة. ألا وهو أن تتخذ أسلوب المذكرات المكتوبة وسيلة لرواية قصتها. فعندئذ كان بمستطاع بدير أن يعلق على كل ما يدور حوله أو يحسه بداخله أولا بأول فى سخونته وطزاجته آخذا راحته على الآخر فى الوصف والحكم والتعليق.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير