تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

كذلك هل القضية التى أثارتها الكاتبة فى روايتها وأبرزتها إبرازا عنيفا، وهى الظلم الذى يقال إن بعض ولاة مصر بعيدا عن أعين الدولة والخلافة قد أوقعوه بالمصريين فى جمع الخراج، هل هذه القضية هى مما يناسب السياق الحالى فى بلادنا أو فى أى بلد إسلامى؟ إن المسلمين الآن فى مصر مثلا يسمعون من كثير من نصارى البلاد أنهم أجانب عن المحروسة وعليهم أن يعودوا من حيث أَتَوْا، وهو ما بدأت مقدماته بقوة منذ أوائل السبعينات من القرن المنصرم، فلماذا لم توح تلك الدعوة الإجرامية إلى الكاتبة برواية تعالج أسبابها؟ وهل تأكدت الكاتبة من أن المصريين قد أسلموا فى ذلك العصر، كما تقول الرواية، هربا من الخراج (ص183 مثلا)؟ ترى على أى مصدر اعتمدت فى هذا الكلام الغريب؟ بطبيعة الحال على المصادر النصرانية. فهل محصت هى هذا الكلام وتيقنت أنه حق لا ريب فيه؟ أم تراها تبنته ورددته بعُجَره وبُجَره دون أى اهتمام بمدى صدقه أو كذبه أو حتى مبالغاته؟

وفى صفحة 151 وما يليها يلاحظ القارئ انتشاء الكاتبة العارم بتعديد ألوان الظلم الخراجى المبالغ فيها على نحو مضحك، حتى ليزعم الراوى أن الحال قد وصل بالمصريين إلى أنْ قد نَهَشَ أحد الرجال جسد فتاة صغيرة حية بسبب الجوع والفقر الناشئين من كثرة الخراج المفروض عليه وعلى أمثاله، وأن مشاهدة البشمورى لهذا المنظر هو الذى أيقظ ضميره ودفعه إلى ترك العمل جابيا للأموال مع الوالى المسلم (الذى يستأهل طبعا الحرق بالنار)، وإلى التمرد على الدولة وظلمها الفاحش، وتجميع الثائرين حوله ومنازلته لجيوش الخلافة، إذ تقول الرواية إنه كان يسير ذات يوم عائدا إلى داره فإذا به يسمع، بين أعشاب الحلفاء فى مستنقع من المستنقعات التى تنتشر فى بلاده، أنينا واهنا لطفلة صغيرة تترجى شخصا يصرخ فيها بعنف وغلظة، فنزل عن دابته واتجه إلى ناحية الصوت ليجد رجلا متوحشا ينهش بأنيابه من لحمها. وكان قد أكل ذراعيها وفخذيها والمواطن الطرية منها دون أن يلين له قلب لتوسلاتها واسترحاماتها، فانقض البشمورى على الرجل وانتزع الصبية منه وهى بين الحياة والموت، ثم أجهز عليه "بحلول بركة الله وقوته فى ذراعيه" رغم أن الكاتبة قالت قبيل ذلك إن الرجل المتوحش كان ضعيفا واهنا، أى أن انهزامه أمام البشمورى أمر ليس فيه أية غرابة ولا يحتاج إلى عون إضافى من السماء، بل رغم أن الضعيف الواهن لا يمكنه نهش لحم بنتٍ يفترض أنها بعافيتها وتستطيع أن تدفعه عن نفسها. ثم إن البشمورى قد عالجها ورباها حتى بلغت فتزوجها فى الكنيسة، واضعا خاتم الزواج فى إصبع قدمها لفقدانها يديها، وهو ما أثار قلوب الحاضرين وفجر الدمع من عيونهم جميعا بما فيهم القسيس الذى قام بتزويجهما وهو يُجْهِش بالبكاء ... إلى آخر هذا الفلم الهندى المتخلف الذى لا أستطيع أن أدرى كيف واتت المؤلفة نفسها على نقله عن "تاريخ البطاركة" لساويرس بن المقفع المفعم بالخرافات والأضاليل (انظر تاريخ مصر من بدايات القرن الأول الميلادى حتى نهاية القرن العشرين من خلال مخطوطة "تاريخ البطاركة" لساويرس بن المقفع/ إعداد وتحقيق عبد العزيز جمال الدين/ مكتبة مدبولى/ 2/ 403).

إننا كثيرا ما نسمع من بعض الشخصيات النصرانية المصرية هذه الأيام، هنا وفى المهجر، أن نصارى المحروسة يبلغون عشرين مليونا أو أكثر رغم ما يعرفونه هم قبل غيرهم من أنهم لا يزيدون عن خمسة أو ستة بالمائة على أكثر تقدير، وهو ما تقوله كل المصادر والمراجع حتى الغربى منها ككتاب إدوارد وليم لين عن المصريين المحدثين وعاداتهم وتقاليدهم: " An Account of the Manners and Customs of the Modern Egyptians"، أو كتاب مسز بوتشر عن تاريخ الأمة القبطية، الذى ترجمه النصارى أنفسهم ونشروه فى بداية القرن الماضى، أو كتاب "& Eacute;gypte depuis la conquète des Arabes jusqu'à la domination de Méhémet Aly" لعدد من المؤلفين الفرنسيين، حسبما بينت فى بعض دراساتى السابقة، وكذلك المؤسسة الأمريكية التى أعلنت هذه النسبة منذ عدة شهور، ودعنا من إحصاءات السكان التى كانت تقوم بها دولة الاحتلال البريطانى، ومع هذا لم يرعو من يكذبون ويبالغون فى تلك النسبة مبالغة لا تدخل العقل ولا تراعى الذوق، ويتخذون من ذلك مسوغا للتوسع غير المفهوم ولا المقبول فى بناء الكنائس التى لا يؤمها

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير