فلا تكاد تحل بلداً من بلدان المسلمين، اليوم، بل ولا تجمعاً من تجمعات أقلياتهم في الخارج، حتى تجد تحزباً، وانقساماً، وفرقةً، بين المنتسبين للسلفية، بصورة أشد عنفاً، ومقتاً، وتشظياً، من الطرائق الأخرى. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وربما تساءل بعض المراقبين: هل طبيعة المنهج تستدعي ذلك؟ هل الولع العلمي يستلزم هذه الانشطارات؟ هل عقيدة الولاء، والبراء، ونبذ الابتداع يفرض هذه الممارسات؟ والجواب: قطعاً لا! وحاشا، وكلا! فمقاصد الشريعة، كما سلف، تدعو، وتؤسس، وتربي، على الوحدة والائتلاف، وتنبذ الفرقة والاختلاف.
إذاً! من أين أُتينا؟ لا شك أن ثمة (حزمة) من الأسباب المشاركة في تشكيل هذه الوضعية الشاذة، من أهمها:
1 - قصور العلم، وترؤس أنصاف الفقهاء.
2 - قصور العقل، وتصدُّر حدثاء الأسنان.
3 - حظوظ النفس، وتنامي الأثرة، والحسد.
4 - الظلم والبغي، وحصول العدوان.
والواقع القريب، يشهد بوجود قيادات سلفية، تقية، نقية، عاقلة، واعية، أدارت دفة
الدعوة السلفية بمهارة، واعتدال، وتحاشت كثيراً من مزالق الفتن، ومسائل الشغب.
ولا أرى من المفيد، الخوض في التجارب السلبية، وتوسيع رقعة السواد، بالقيل والقال، والتلاوم، فضلاً عن التنابز، وتسقط الزلات. بل ثم حاجة ماسة إلى أن يتداعى السلفيون، على وجه البسيطة، إلى كلمة سواء، وأن يتعاونوا على البر والتقوى، وأن يجتمعوا على المحكمات، ويدعوا المتشابهات، وأن يطرحوا الفرقة، وينبذوا الخلاف، ويتسامحوا، ويتغافروا، ويعفوا، ويصفحوا، ويضعوا نصب أعينهم قوله تعالى: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ) [الشورى: 13]
لا بد من تجديد الخطاب السلفي، الذي يحافظ على أصالة المنهج، ويواجه المستجدات، ويتخلص من الآفات. وهذا التجديد، ضرورة ملحة، وإلا بقينا نتردى في مهاوي الخلافات، ونجتر مسائل، وأغلوطات، أفرزتها حالة معينة، أو نتجت عن خطأ بشري، لا يجوز أن تبقى الأجيال مرتهنة لها، أو ممتحنة به، فقد خلقنا الله أحراراً، لا نعبد سواه، ولا نتبع غير نبيه ومصطفاه. وفي الحلقات القادمة جملة من المعالم الضرورية لتجديد الخطاب السلفي. والله المستعان، والهادي إلى سواء السبيل.
http://www.al-aqidah.com/?aid=show&uid=xlqx86bu[
ـ[خالد محمد المرسي]ــــــــ[04 Oct 2010, 03:08 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
حديث الأسبوع
تجديد الخطاب السلفي (2)
بقلم / د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. أما بعد:
فقد يجد بعض الناس تناقضاً بين مدلولي (التجديد) و (السلفية)؛ باعتبار الثاني يدل على القدم المنافي للجديد! والأمر ليس كذلك. فالتجديد الذي ننشده ليس انقلاباً، أو تغييراً للثوابت، بل هو نوع من إعادة تفعيلها، لتؤدي دورها، وتقتضي آثارها، في الواقع. ذلك أن (الجمود) والتشبث برسوم محلية، اقتضتها مرحلة زمنية معينة، يعطل أداء النص، ويحجر على العقل أن يُعمله في النوازل، والمستجدات. ولهذا صار يعتور الأمر محذوران: أحدهما: الوقوع في أسر الجمود بدعوى المحافظة، والتمسك بالسنة، واتباع السلف. والثاني: الانفلات، والتمرد على النقل، وتسييد العقل، بدعوى التجديد. فلا بد من ضبط المعادلة، بما يحقق المصالح، ويدرأ المفاسد.
حين نتقدم إلى المسلمين خاصة، وإلى الناس كافة، بدعوتنا، لا بد أن نصوغ خطاباً يجمع عناصر القبول المختلفة، التي حواها الخطاب القرآني، النبوي، واستعمله المجددون الموفقون من سلف هذه الأمة. وإن من شأن هذا الخطاب، إذا اتضحت معالمه، واستبانت مقاصده، أن يثمر ثمرات عظيمة، من أهمها:
1 - وحدة المسلمين، لاجتماع دعاتهم على كلمة سواء.
2 - انتشار الإسلام، لكونه يرد الروح إلى الدعوة، ويخلصها من آفاتها المتراكمة، فتعود غضةً، طريةً، ذات ألق، ووهج، وجاذبية، كما كانت أول مرة.
ومن أبرز السمات التي يجب أن يتسم بها الخطاب السلفي المتجدد، ويتشربه الناطقون به، على اختلاف مواقعهم، وتخصصاتهم:
¥