تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أولاً: الاعتصام بالكتاب والسنة

إن كثيراً من البلى، والآفات في الخطاب الدعوي ناشئة عن البعد فهم مراد الله ورسوله، والاحتفاء بأقوال الرجال، والوقوع في أسر التعصب، من حيث يشعر صاحبه، أو لا يشعر. وربما جرى ذلك لبعض من يعيب التقليد، ويذم التعصب، فيقع له شيء من ذلك في حق من يجله، ويعظمه، من المتبوعين الثقات، ويغفل عن كونهم غير معصومين. إننا بحاجة ماسة إلى صلة حميمة، وعلاقة لصيقة، وثقة مطلقة بالنص، والدليل، تجعلنا نستهدي به، ونقبس من ضوئه مباشرة، فلا تعشوا أبصارنا أقوال الرجال، وإن عظم مقدارهم، بجنب كلام الله، وكلام نبيه - صلى الله عليه وسلم - (قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي) [سبأ: 50]، وفي الحديث الإلهي: (يَا عِبَادِى كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلاَّ مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِى أَهْدِكُمْ) رواه مسلم.

إن من ضرورات صياغة الخطاب السلفي المتجدد، أن يبنى على النص، والدليل، رسماً، ومعنى. فيستمد تصوراته، وأحكامه من هدي الوحي المعصوم، ويضمخ سياقاته، بالأدلة، حتى يتربى المخاطب على التأصيل، والتعبد لرب العالمين.

يلحظ المرء في كثير من المعالجات المعاصرة، طغيان الرأي، وغياب الدليل. وربما سُوِّدت صفحات كثيرة، لم تذكر فيها آية، أو حديث! وإن ذكرت فعلى سبيل التبرك، والديباج، لا على سبيل الاستدلال، والاحتجاج.

إن للنص سلطاناً، وتأثيراً، في القلوب، والمسامع، لا تبلغه فصاحة فصيح، ولا تنظير متكلم. فلا بد للخطاب السلفي المعاصر أن يأوي على ركن شديد، فذاك سر قوته، وغلبته، واكتساحه لكافة الطروحات الهزيلة.

فعلى الدعاة على الله، أن يعتصموا بالوحي المعصوم، ويبتعدوا عن جميع صور الاستزلال، والتأويل، والتجهيل، التي يمارسها دعاة العقلنة، والعصرنة، الذين ينزعون إلى (بشرنة) الدين، ونزع ميزة (الربانية) من خطابه، وهدايته. قال - صلى الله عليه وسلم-: (تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ كِتَابَ اللَّهِ) رواه مسلم، وفي بلاغات مالك، في الموطأ: (وسنة نبيه).

ثانياً: الوضوح

إن من أبرز أوصاف القرآن أنه (بيان) و (تبيان) و (مبين)، كما نطقت بذلك آيات كثر:

- كقوله تعالى: (هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) [آل عمران: 138]،

- وقوله: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) [النحل: 89]،

- وقوله: (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ. يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [المائدة: 15، 16].

وتأمل كيف يرتب الله الهدى في كل من هذه الآيات الثلاث على البيان!

إن ذلك يدل دلالةً جلية على أن الخطاب الدعوي، يجب أن يتسم بالوضوح، ويجتنب التلبيس، والإجمال، والإبهام. إن مقام الإيمان، والتوحيد العبادة، لا يحتمل باطنية الخطاب الصوفي، ولا غموض الخطاب الفلسفي. ولا تعقيد الخطاب الكلامي. لا بد أن يمتح الخطاب السلفي المعاصر من بيان القرآن، ويرتشف وضوح السنة. حين قرَّظ سعد زغلول، كتاب (وحي القلم) لمصطفى صادق الرافعي -رحمه الله - صاحب (الجملة القرآنية)، وصفه بأنه: (تنزيل من التنزيل، أو قبس من نور الذكر الحكيم).

وهكذا ينبغي أن تكون لغة الدعاة؛ فلا يستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير، ولا يستعيضون عن بيان القرآن، ووضوح السنة، بأنماط من الأساليب المولدة، الرمزية، الغامضة، يجارون بها بلديِّيهم، أو معاصريهم، معتقدين بذلك أنهم يمارسون (تجديداً) في الأداء، أو يحدثون القوم بما يعرفون، كلا! إنهم، في الحقيقة، ينخلعون من ثوب قشيب، ويلتفعون بمرط تنكري غريب. ولو ساغ ذلك في بعض أبواب الشعر، الأدب، لما ساغ في أبواب الاعتقاد، والعبادة، والعمل.

ثالثاً: العدل

العدل (قيمة) و (خلق) لأهل الإسلام. قيمة؛ من حيث هو، وخلق من حيث التطبيق؛ في القول، والعمل، والحكم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير