تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90]،

وقال: (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [الأنعام: 152]،

وقال: (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [المائدة: 8]،

وقال: (وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) [النساء: 58].

لا بد أن يتحلى الخطاب السلفي المعاصر بالعدل، والإنصاف، ويتحاشى جميع صور الحيف، والظلم. ومن العدل أن يعترف لأهل الفضل بفضلهم، ويثني بالخير على باذليه، دون أن يكون ذلك منافياً للشهادة لله، والقيام بالقسط، أو القيام لله، والشهادة بالقسط، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) [النساء: 135] وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ) [المائدة: 8].

يجنح الخطاب السلفي، في كثيرٍ من بياناته، ونقده للمخالفين، بسبب حماسه للحق، إلى نوعٍ من الظلم، والإجحاف، وإهدار فضائل الآخرين. وليس ذلك من أصل المنهج، لكنه طارئ عليه من بعض مؤيديه الغاضبين له، في أجواء محمومة، وتحت ضغوطٍ، ومظالم أشد، من مخالفيهم. ولا ريب أن المنكر لا يقابل بمثله، ولا يصحح الخطأ بخطأ مماثل، وإنما يصحح الخطأ بالصواب، والرد إلى كلمة سواء.

وقد جرى في مطاوي التاريخ العقدي شيء من ذلك، ويجري الآن بين الجماعات المنتسبة إلى أهل السنة عموماً أكثر من ذلك، بل ويجري بين الجماعات المنتمية إلى السلفية أكثر من ذلك! وما ذاك إلا لغياب عنصر (العدل)، ودخول الهوى، والمواقف الشخصية في الميزان، أو مقابلة الخطأ بخطأ مثله، وقد قال نبي الله شعيب، عليه السلام: (وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) [هود: 88]

ومن صور الظلم المنافي للعدل، الجاري على بعض ألسنة المتحدثين، أو الكاتبين:

1 - بخس الناس حقوقهم: فيقول عن عالمٍ ما، إنه لم يأت بجديد! وربما كان من كبار المحدثين! أو عن طائفة ما: إنها أفسدت الدين! وربما كانوا من عظماء الفاتحين، أو عن جماعة ما: ما صنعت للإسلام شيئاً! وربما كانت من أبلغ الدعوات تأثيراً، وإنتاجاً، ولو مع شائبة. وكان يسعه أن يقول في هذا، وذاك، وتلك: فيه تفصيل.

2 - التسوية بين المختلفات: بأن يحشد المخالفين في خندق واحد، ويصمهم بتهمة سواء! كأن يقول عن فرقة ما: إنهم أضر على الإسلام من اليهود، والنصارى، والمشركين! وربما انطبق على غلاتهم، دون مقتصديهم. أو يصم عالماً ما، ببدعة، دون نظر إلى تفاوت المقالات، أو التماس المعاذير، أو كون ذلك نزراً يسيراً، مغموراً في جنب فضائله. فالعدل قامت به السماوات والأرض.

لا بد للخطاب السلفي من التجرد للحق، وقول الحق، والحكم على الذوات، والأحداث، بالحق. ولا بد أن يكف بعض دعاة السلفية عن إهدار حقوق مخالفيهم، والضرب على فضائلهم، ومنجزاتهم. لا بد أن نقول للمحسن: أحسنت، وللمسيء أسأت. ولا يمنعنا ذلك أن نقول للمحسن: أحسنت في كذا، وأسأت في كذا، وللمسيء: أسأت في كذا، وأحسنت في كذا. فذلك أدعى أن يقبل منا. ولا ينقضي العجب ممن ينكر هذا المسلك العادل، وينسب السلف إلى غمط الحق، وازدراء الناس!

ومن تتبع أقوال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - وحكمه على كثير ممن حاد عن السنة المحضة؛ من أهل الأهواء، والبدع، على اختلاف مراتبهم؛ من أمراء، وعلماء، ومصنفين، وجد ميزاناً عادلاً، ونفساً مطمئناً، غير مشحون، ومع ذلك، فقد أبلى بلاءً حسناً في بيان السنة، ورد البدعة، دون أن يخرج به ذلك عن القسطاس المستقيم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير