4. يوغر الصدور و يقطع العلاقات بين الناس.
العلاج
1. و هو من أفضل طرق علاج هذا العيب و أجملها، فإذا ورد على الإنسان خاطر المن يتذكر فوراً أن الحال التي هو فيها عطية من عطايا الله اختاره الله لها، وفضل منحه الله إياه، فهو الذي وفقه لنيله و جعل يده العليا، وهو الذي شرح صدره للعطاء، و حبب له الإحسان إلى الناس، و جعل بين يديه من يحسن إليه، إذاً .. في الحقيقة المن لله وحده، إذ هداه و أعطاه و يسر له بلا حول منه و لا قوة، وهذا أمر يستحق الشكر، لا المن والأذى ..
2. عدم رؤية الإحسان حال وقوعه، و نسيانه بعد فعله، حتى كأنه لم يصدر، و إذا سمعه كأن لسان حاله (لا أذكره)، (ولا أصغي بسمعي إلى من يذكره) فهو بذلك يجعل من أحسن إليه و غيره سواء، ولا يطلب الأجر إلا من الله. و هذا ما كان عليه خلقه صلى الله عليه وسلم إذ علمه ربه فقال "وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ" المدثر.
قال ابن عباس (لا يتم المعروف إلا بثلاث) و لتقرأ جيداً هذه القواعد فهي أسباب رئيسية للتخلص من هذه الآفة، يقول ابن عباس: (تعجيله، و تصغيره، و ستره). و لماذا؟
يقول (فإذا أعجله هنأه، و إذا صغره عظمه، و إذا ستره تممه). و قال بعض الحكماء (إذا اصطنعت المعروف فاستره، وإذا صنع إليك فانشره). و فال رجل لبنيه (إذا اتخذتم عند رجل يداً، فانسوها).
3. إذا واجه الإنسان تصرفاً يضايقه ممن أحسن إليه، فليعفو و ليصفح و لا يمن بعطيته، ويتذكر قوله تعالى "قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى وَاللّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ" نلاحظ أن الله تعالى ختم الآية بقوله غني أي غني عن الصدقة، ثم قال حليم، فما علاقة الحلم بالموقف؟
هذه الخاتمة فيها عبرة و درس لمن يواجه المضايقة ممن يحسن إليهم، فالله عز وجل يعطي الرزق و يكرم و يحسن للناس، ولكن ما الذي يحدث؟
يقصر العباد في الشكر، بل البعض يعصيه، والبعض يشعر أن النعم التي عنده هي من جهده و كسبه، و الأعجب من ذلك أن يرى أنه مستحق لهذه النعم بل أكثر .. و لكن الله عز وجل حليم، لا يعجل لهم بالعقاب و هو الذي أعطاهم كل شيء و قادر على سلب كل شيء منهم، وعلى ذلك فالعباد أحق بأن يعفو بعضهم عن بعض ..
4. إذا خالجه شعور المن يذكر نفسه فوراً أنه لا يدري ماذا يحدث له مستقبلاً، و ماذا تحمل الأيام في طياتها، فقد تدور عليه الدائرة، ويصبح في نفس الموقف، فيكون تذكره رادعاً للنفس و مانعاً لها بإذن الله من المن و الأذى ..
تفسير قوله تعالى: " لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى"
يقول الحق سبحانه وتعالى في سورة البقرة: “قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم. يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شيء مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافرين” (البقرة: 263 264).
في هاتين الآيتين الكريمتين يرشدنا الحق سبحانه وتعالى إلى الآداب والأخلاقيات الفاضلة التي ينبغي أن نلتزم بها ونحن نقدم للفقراء والمحتاجين وأصحاب الحاجات حقوقهم في أموالنا، فهو سبحانه وتعالى يحذرنا من المن والأذى، وينادي كل المؤمنين بأن يجتنبوا في صدقاتهم هاتين الرذيلتين، مبينا أن الكلمة الطيبة للفقير خير من إعطائه مع إيذائه.
الكلمة الطيبة
ومعنى “قول معروف” أن تقول للسائل الفقير كلاما جميلا طيبا تجبر به خاطره، ويحفظ له كرامته، “ومغفرة” لما وقع منه من إلحاف في السؤال، وستر لحاله وصفح عنه “خير من صدقة يتبعها أذى” أي خير من صدقة يتبعها المتصدق أذى للمتصدق عليه، لأن الكلمة الطيبة للسائل، والستر عليه، والعفو عنه في ما صدر منه، كل ذلك يؤدي إلى رفع الدرجات عند الله، وإلى تهذيب النفوس، وتأليف القلوب، وحفظ كرامة أولئك الذين مدوا أيديهم بالسؤال.
أما الصدقة التي يتبعها أذى فإن إيتاءها بتلك الطريقة يؤدي إلى ذهاب ثوابها، وإلى زيادة الآلام عند السائلين، ولاسيما الذين يحرصون على حفظ كرامتهم وعلى صيانة ماء وجوههم.
¥