تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وجاهدتْ في الله حق جهاده حتى أتاها من ربها اليقين، و غابت عن أرض الكفاح إلا أن صورة جهادها لا تزال جاثمة في صدور المؤمنين.

رحلتْ بنانُ تاركةً دنيا العذاب بجميع مَنْ فيها، وغربت أحزانُ قلبها في تلك الحياة كما غربتْ شموسُ أيامها وبدورُ لياليها.

ولقاؤنا بها – إن شاء الله – في جناتٍ ونَهَر، في مقعد صِدْقٍ عند مليكٍ مُقتَدِر.

اسمها ونشأتها

هي المناضلة الكبيرة، والمجاهدة الشريفة، والداعية العظيمة: أم أيمن بَنَان بنت الشيخ الداعية الكبير: علي الطنطاوي. المولودة عام: (1943م - 1360هـ).

وأبوها: هو العلامة الأديب المشهور، الذي طاف الأرض في سبيل الدعوة، وذاع ذكره وشاع، حتى ملأ البقاع والأسماع، وطارتْ مقالاته في الصحف السيَّارة، وجَّرَتْ كتبه مجرى الليل والنهار، هذا مع الشجاعة والبسالة، والنضال ومواصلة الأعمال. حتى قضى نحبه راضيًا عن ربه محتسبًا.

نشأت الفتاة في بيت أبيها حيث العلم والأدب والحكمة والتربية الحسنة، فرضَعتْ أخلاق الإسلام، ونهلتْ من معارف الشريعة، ورفَلَتْ في حُلَل الوقار والكمال، وتربَّتْ على جميل القِيَم وشريف الخصال.

وكان أبوها لم يُرْزق بولد ذَكَر! بل كان رزَقه الله خمسًا من الإناث، وكانت بَنَان هي أحبهنَّ إلى قلبه، فكان يفرح لفرحها، وربما يغضب لغضبها!

ما كان يستطيع أن يراها حزينة تبكي! حتى يداعبها ويُسرِّي عنها الكآبة والحزن.

فكانت دقَّات قلبها تدقُّ على قلب أبيها! وزفرات أنفاسها تستمد نشاطها ما شاء الله من حنان والدها ومُرَبِّيها.

وتمرُّ الأيام، وتكرُّ الأعوام إلى أنْ كبرتْ الفتاة وصارتْ في أوْجِ الشباب والنُضْرة.

وهنا يقوم أبوها بتزويجها من تلميذه الشيخ المجاهد الصابر الشاكر عصام العطار، ذلك الشاب الصالح التي كانت تربطه به علاقة قوية.

جهادها وصبرها على البلاء

كان زوجها عصام العطار هو المراقب العام الثاني لجماعة الإخوان المسلمين في سورية، وقد ضيّق عليه النظام السوري في أعقاب استيلاء حكومة البعث على السلطة: 8/ 3/1963مـ

فكان عصام مرصودًا دائمًا من قِبَل النِّظَام السوري واللبناني في حركاته وسكناته، وكم كانوا يَطْرُقون بيته في ظلمات الليالي، ويسوقونه إلى غياهب السجون والمعتقلات!

وكانت كل هاتيك الأحداث الجسام تدور على مَرْأىً من زوجته بنان ومسمع! فكانت تتجرَّع مع زوجها ويْلات الأيام والاضطهاد، وتكتوي بنار اللوعة التي تَفْرِي الأكباد! وكم كانت تعيش في خوف وقلقل في كل ساعة؟ وهي ثابتة الجأْش مقيمة على الابتهال والطاعة، فلم تكن كغيرها من النسوة اللاتي يصرخن ويَنْدبْن ويَلْطمنَ إذا مسهنَّ السوء والبأساء؟

كلا! بل كانت تضرب بجميل صبرها الأمثال، وتتجشَّم الخوض فيما يحجم عنه كثير من الرجال! لم تُضْعِف من عزيمة زوجها، ولا تنكَّبتْ عن مؤازرته في محنته العصيبة البائسة! فكانت تضمد جروحه، وتُخَفِّف آلامه، وتُداوي بروعة كلامها أسقامَه، وتسعى جاهدة للنهوض به إلى ما يُرضي الله والرسول في كل لحظة!

يقول د/ أحمد البراء بن عمر الأميري في مقال له بعنوان: «المرأة التي أبكتْ الرجال»: (في سجل ذكرياتي مواقف عديدة كان للمرأة دور البطولة فيها، وبعض هذه المواقف لا يزال حاضراً في ذهني حتى كأنه واقع اللحظة.

منها: موقف عايشته شخصياً مع الأخت بنان بنت علي الطنطاوي -رحمها الله- بعد ما اعتقل زوجها، موقفٌ جعلني أفهم معنى المقولة الشهيرة: «وراء كل رجل عظيم امرأة عظيمة!»

ففي عام 1964م، كنتُ طالباً في جامعة دمشق أَدْرُسُ في كُلّيتيْ الشريعة والآداب «قسم اللغة الإنجليزية»، فذهبت لزيارة والدي الشاعر الكبير الراحل عمر بهاء الدين الأميري في بيروت التي كان يمضي فيها بعض الوقت، كان بيت الأستاذ عصام العطار –المراقب العام للإخوان المسلمين آنذاك– قريباً من البيت الذي استأجره أبي، وكانا يلتقيان دائماً.

كان جمال عبد الناصر حاكماً لمصر آنذاك، وكانت سلطتُه وشعبيّتهُ في لبنان كبيرتين، وعِداؤه للإخوان المسلمين، وسَجْنُه لهم، وتعذيبُهم، وقتلُهم، وإعدام قياداتهم معروف. وكان للسفارة المصرية، واستخباراتها صولةٌ وجولة في لبنان، فتمَّ اعتقال والدي أمام عينيَّ، واعتقالُ الأستاذ عصام العطار في نفس الوقت.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير