إذا قلت مثلا: (أجالسٌ أخوك في المسجد): الهمزة للاستفهام، و (جالس): مبتدأ، (أخوك): فاعل سد مسد الخبر، مثل ما مر مرفوع بالواو، والضمير مضاف إليه، (في المسجد): (في): حرف جر، و (المسجد): اسم مجرور بـ (في)، والجار والمجرور متعلق باسم الفاعل (جالس). أليس اسم الفاعل هو الذي وضح الجار والمجرور، وبين المراد به وعمل فيه؟ فيكون متعلقًا به.
والمراد بالعمل هو أنهم يقولون: الجار والمجرور مفعول به في المعنى، وأما بالنسبة للظرف - كما قلت لكم - إن الظرف يكون منصوبًا، والنصب له ما قبله من فعل أو غيره، ولعله بهذا اتضح لنا أن المراد بالمتعلق هو ما يوضح الجار والمجرور ويبينه ويعمل فيه.
مثال آخر: لو قلت: (جُلِسَ في المسجد)، (جُلس): فعل ماض مبني للمجهول، وأنت تعرف أن الفعل المبني للمجهول يستدعي نائب فاعل، وليس في الكلام غير الجار والمجرور، إذن أكيد أنه هو نائب الفاعل، وعلى هذا تقول: (في المسجد): جار ومجرور في محل رفع نائب فاعل.
من هذا المثال والذي قبله نستفيد أن المتعلق له وصفان: الوصف الأول أنه يبين ويحدد المراد بالجار والمجرور، والوصف الثاني أنه هو الذي يعمل في الجار والمجرور ... نائب فاعل، أين الذي عمل فيه؟ الفعل (جُلس) إذن ماذا نقول عن جُلس؟ متعلَّق، وماذا نقول عن الجار والمجرور؟ متعلِّق، لعلكم فهمتم هذا إن شاء الله.
الجار والمجرور والظرف - كما ذكر ابن هشام - يتعلقان إما بالفعل وهذا هو الأصل، مثل (جئت من البيت)، (سافرت إلى مكة)، أو يتعلق بوصف وهو ما فيه معنى الفعل، مثل اسم الفاعل: (أجالس أخوك في المسجد)، أو اسم المفعول كما في الآية التي ذكرها المؤلف صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ الجار والمجرور (عليهم) متعلق بـ (المغضوب) والمغضوب من أي الأوصاف؟ اسم مفعول.
المتعلَّق نوعان:
النوع الأول: أن يكون مذكورا. وهذا هو الأصل، مثل الأمثلة اللي مرت علينا، المتعلَّق مذكور، إذا قلت: جُلس في البيت، أو جُلس في المسجد. المتعلَّق مذكور.
النوع الثاني: أن يكون المتعلَّق محذوفا. ويحذف المتعلَّق في أربعة مواضع، وهو عنوان المسألة إيه؟ الثالثة اللي عطيتكم (حذف المتعلَّق)، إذن نترك موضوع الحذف. والأصل هو أن يكون المتعلَّق مذكورا في الكلام، لكن هنا نقطة مهمة طرقها ابن هشام، وهي: هل كل حرف جر مع مجروره يحتاج إلى متعلَّق؟ أو فيه بعض المجرورات ما تحتاج إلى متعلَّق؟
الجواب يقول: إنه لا بد من تعلقهما بفعل أو بما في معناه، وقد اجتمعا في قوله -تعالى-: أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ
اجتمع في هذه الآية أن الجار والمجرور تعلق بفعل، وتعلق بما فيه معنى الفعل، فقوله -سبحانه-: أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ (على) حرف جر، طبعا (أنعمت) فعل وفاعل، (أنعم) فعل ماض مبني على السكون لا محل له من الإعراب، والتاء ضمير متصل مبني على الفتح في محل رفع فاعل، (أنعمت)، (عليهم): (على) حرف جر، والهاء ... الهاء ما نقول: (هم). انتبهوا! الهاء فقط؛ لأن (هم) من ضمائر الرفع المنفصلة، لكن الهاء هي اللي تيجي في محل جر، فالهاء ضمير متصل مبني على الكسر في محل جر بـ (على)، والميم علامة الجمع، والجار والمجرور متعلق بالفعل أنعمت، إذن ما نوع المتعلَّق؟ نوعه أيش؟ فعل، هذا النوع هو اللي يقصده ابن هشام عندما قال: وقد اجتمعا.
النوع الثاني: ما فيه معنى الفعل. واللي فيه معنى الفعل مثل: اسم الفاعل، اسم المفعول، الصفة المشبهة مثلا، أو أفعل التفضيل، أو اسم التفضيل، قال: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ (غير) صفة للاسم الموصول، (صراط) مضاف، و (الذين) مضاف إليه في محل جر. إذن الموصول محله جر، فتكون (غير) صفة مجرورة، وصفة المجرور مجرور. (غير).
غير: مضاف و (المغضوب عليهم) مضاف إليه (المغضوب)، (عليهم) مثلما قلنا في (عليهم) الأولى، لكن الفرق بينهما في المحل الإعرابي، الجار والمجرور الأول في محل نصب؛ لأني قلت لكم: إن الجار والمجرور في محل نصب مفعول به من جهة المعنى، طيب (المغضوب عليهم) اسم المفعول ماذا يعمل؟ يعمل عمل الفعل المبني للمجهول، يعني: يرفع نائب فاعل، وعلى هذا نقول (عليهم): جار ومجرور في محل رفع نائب فاعل.
¥