[لطيفة حول الفرق بين الصفة والحال]
ـ[مهاجر]ــــــــ[05 - 04 - 2006, 04:00 ص]ـ
بسم الله
السلام عليكم
بسم الله
السلام عليكم
يقول الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد، رحمه الله، في تعليقه على استشهاد ابن عقيل، رحمه الله، بقول رجل سلولي:
ولقد أمر على اللئيم يسبني ******* فمضيت ثمت قلت لا يعنيني
في مسألة: جواز النعت بجملة تؤول بنكرة، لأنه أتى بجملة "يسبني" كنعت لـ "اللئيم"، يقول، رحمه الله، معلقا:
وإنما ساغ ذلك، "أي وصف المعرف بأل بجملة تؤول بنكرة"، لأن "أل" فيه جنسية، فهو قريب من النكرة، "وإن كان معرفة لفظا"، كذا قال جماعة، منهم ابن هشام، رحمه الله، وقال الشارح العلامة: إنه يجوز أن تكون الجملة حالية، والذي نرجحه، "أي الشيخ المحقق رحمه الله"، هو ما ذهب إليه غير الشارح من تعين كون الجملة نعتا في هذا البيت، لأنه الذي يلتئم معه المعنى المقصود، ألا ترى أن الشاعر يريد أن يتمدح بالوقار وأنه شديد الاحتمال للأذى، وهذا إنما يتم له إذا جعلنا اللئيم منعوتا بجملة "يسبني" إذ يصير المعنى: أنه يمر على اللئيم الذي شأنه سبه وديدنه النيل منه، "فهو متصف بذلك في كل أحواله"، ولا يتأتى هذا إذا جعلت الجملة حالا، إذ يكون المعنى حينئذ أنه يمر على اللئيم في حال سبه إياه، "أي في حال واحدة وليس في كل الأحوال"، لأن الحال قيد في عاملها فكأن سبه حاصل في وقت مروره فقط، نعم يمكن أن يقال: إنه لو تحمل ومضى في هذه الحال فهو في غيرها أشد تحملا، ولكن هذه دلالة التزامية، والدلالة الأولى وضعية. اهـ
"منحة الجليل"، (3/ 153).
وفي نص الشيخ، رحمه الله، فوائد جمة منها:
أنه قد يغتفر في تخريج بعض الجمل على خلاف القواعد النحوية المقررة، إذا ما أدى ذلك لزيادة معنى، لأن الإعراب فرع المعنى، والأصل أولى بالتقديم من الفرع، ففي هذا المثال:
تعارض الإعراب، وهو إعراب "يسبني"، كـ "حال"، وهو الأولى، لأنها جاءت بعد معرفة لفظية "الرجل"، والجمل كما هو معلوم، بعد المعارف أحوال وبعد النكرات صفات، تعارض هذا الإعراب مع تمام المعنى، فالمعنى قد يتم بإعراب جملة "يسبني" حال، ولكنه لن يعطي نفس مدلول إعرابها صفة، لأن الصفة أعم من الحال، فهي تعني اتصاف الموصوف بها في كل أحواله، بينما الحال لا يفيد إلا اتصافه بها في حال معينة دون بقية الأحوال.
فلما حدث هذا التعارض، قدم المعنى، وأعربت الجملة على أنها صفة، رغم مخالفة ذلك للقاعدة، وبحث العلماء المحققون عن تخريج لهذه المسألة فقالوا بأن "أل" في "الرجل"، هي "أل الجنسية"، وهي أدنى دلالة في باب المعرفة من "أل الموصولة" أو "أل العهدية"، فنزلت منزلة النكرة، لأنها تدل على عموم يشبه عموم النكرة، واغتفر وصفها بجملة.
وهذا التخريج يشبه إلى حد كبير تخريج قوله تعالى: (فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون)، فـ "مثل"، مضاف إلى "ما"، والمضاف إلى معرفة: معرفة، ورغم ذلك ساغ وصف النكرة "حق" بها، وهذا خلاف الأصل لأن الصفة تتبع الموصوف تعريفا وتنكيرا، كما هو معلوم، وتخريج ذلك أن "مثل" ظرف شديد الإبهام، فلا يكتسب التعريف من الإضافة، فتكون الصورة صورة معرف بالإضافة، والحقيقة حقيقة نكرة مبهمة، فساغ وصف نكرة مثلها بها، والله أعلم.
مستفاد من كلام الشيخ الدكتور عبد الغني عبد الجليل، حفظه الله، لمتن "شذور الذهب" لابن هشام الأنصاري رحمه الله.
ومما يستفاد من نص الشيخ، المحقق، رحمه الله:
أن النص في اللغة مقدم على القياس، تمام كما هو الحال في الأصول، فالأصوليون يردون أي قياس يخالف النص بقادح "فساد الاعتبار"، فأي قياس يخالف النص عندهم فاسد الاعتبار لا يعتد به، وإليه أشار صاحب المراقي، رحمه الله، بقوله:
والخلف للنص أو إجماع دعا ******* فساد الاعتبار كل من وعى
كقياس الأحناف، رحمهم الله، مباشرة المرأة لعقد الزواج بنفسها، على مباشرتها لأموالها بنفسها، إذا كانت بالغة رشيدة، فهو قياس مرجوح لمعارضته نص النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أم المؤمنين عائشة، رضي الله عنها، على النهي عن تزويج المرأة المرأة أو المرأة نفسها.
وكذا الشأن هنا، فأمامنا:
¥