تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لا بدّ من مكة .. وإن طال السفر فالزم ـ رعاك الله ـ دعوات السحر

ـ[د. بهاء الدين عبد الرحمن]ــــــــ[16 - 03 - 2006, 04:36 ص]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث نورا ورحمة للعالمين وعلى آله وصحبه ومن تبعهم إلى يوم يقوم الناس لرب العالمين.

أهل الفصيح المقيمين في مغانيه وضيوفه الزائرين في حواضره وبواديه لا زالت سحائب الخير منهلة القطر بمرابعكم ....

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته ورضوانه

فقد طال السفر وازداد الشوق، وحال بيني وبين مغانيكم الترحال والتسيار جوا وبرا، فقد نُقلت من مكة إلى مدينة بعيدة عنها نائية (مع وجود طلب من كلية مكة بإبقائي وعدم حاجة الكلية التي نقلت إليها)، واضطررت إلى إبقاء الأهل والأولاد في مكة لظروف دراستهم، وصرت مسافرا بين مكة وتلك المدينة أزور مكة كل أسبوع أو أسبوعين وأقطع مسافة تسعمائة كيل في الذهاب ومثلها في الإياب بالسيارة وحدي ليلا في أغلب الأحيان، وقد طلبت من الجهة المسؤولة عن نقلي بإعادتي إلى مكة طلبات كثيرة دون جدوى، وبعد أن علمت أن الشخص المسؤول في تلك الجهة يحمل شهادة الدكتوراه في النحو والصرف كتبت للجهة هذا الطلب النحوي غير الرسمي في أثناء مروري بمدينة الرياض وأنا على جناح السفر، فقلت:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فليس ما أقدمه لكم اليوم طلبًا رسميًا، وإنما هو أشبه بمقالة نحوية حاكيت فيها جانبًا مما كتبه أبو العلاء المعري في رسالته إلى عزيز الدولة في حلب المسماة (رسالة الصاهل والشاحج) حيث شبَّه المعريُّ في بعض أجزائها أحوال الناس بمدلول المصطلحات النحوية، وكانت غاية المعري من رسالته تلك أن تكون شافعة لإرجاع حقوق كانت لبعض ذويه في معرّة النعمان، ولكنه أودعها الكثير من النحو والصرف واللغة والعروض والقوافي، وفيما كتبته إليكم ـ بحكم النَّسَب إلى علم النحو ـ محاولة للمحاكاة لا تخلو من الفائدة العلمية، كما لا تخلو من الإشارة إلى حاجتي الضرورية للنقل إلى كلية التربية بمكة حرسها الله، فأرجو أن يتسع وقتكم لقراءته.

إن مَثَل ما جرى لي من نقل إلى كلية ( ....... ) مع وجود طلب من كلية مكة بإبقائي فيها كمثل المعمول الذي تنازعه عاملان، قريب ملاصق له ومباشر، وبعيد كاشح عنه ومنافر، فاختير في هذه المسألة مذهبُ الكوفيين بإعمال البعيد، وإن كان ضعيفًا عند الموازنة والتناظر، وأُعرِض عن مذهب البصريين صفحًا، وإن كان قويًا في القياس، يؤيده السماع ويُناصِر.

والحكمة تقتضي هنا أن يُرجَع إلى مذهب البصريين بإعمال القريب، ويكون ذلك من باب رجوع العالم عن مذهب إلى آخر، كما رجع أبو إسحاق الزجاج عن المذهب الكوفي، واتبع المذهب البصري، وأصبح ملازمًا لأبي العباس المبرد، بعد أن كان ملازمًا لأبي العباس ثعلب.

أو إنّ مَثَلَ إلحاقي بكلية التربية بـ ( ....... ) كمَثَل المعمول الذي يُلحَق بالجملة بعد أن اكتملت، فالعامل مكتفٍ بما عمل فيه، غير مبالٍ بما ألحق بمغانيه، لذلك لا يستحق هذا المعمول الذي يُلحَق بالجملة بعد تمام الكلام إلا النصب، وهذا الذي يُنصَبُ بالكلام التامّ إمّا أنْ يكون حالاً أو تمييزًا أو مستثنى، على الظاهر من كلام سيبويه والصريح من كلام أبي علي الفارسي في الإغفال، وقلَّ مَنْ أدرك من النحويين أنّ الكلامَ التام عاملٌ كما أنّ الاسم التام عامل، فالاسم التام عامل في تمييز المفرد، والكلام التام عامل في الحال وتمييز الجملة أو النسبة والمستثنى، ولا إخال أنّ حالي يشبه المستثنى لأنني طلبْتُ الاستثناء، فأعرَضَ عني ونأى، وما أُرِيدَ بي رفعُ الإبهام عن ذات ولا عن نسبة، فالتمييزُ عني أبعدُ وأنأى، وأشبهُ شيء بحالي الحالُ التي تدل على المصاحبة كقوله تعالى: (يا نوح اهبط بسلام منا) فقد ذهبتُ إلى ( ....... )، يصاحبني الهمّ والغمّ، وألوانٌ من الألم.

ولأنّ الحال محكوم عليها بالنصْبِ أراني لا يخلو حالي من النَّصَب، فمن سفرٍ إلى سفر، ومن أهل وَبَرٍ إلى أهل مَدَر، تقتات في الليل من صحتي الأسفار، ويزيدني بعدًا عن الأهل طلوعُ الصبح ذي الإسفار، ولسان الحال يقول: أما آن أن تلقي عصا التسيار.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير