نص على أن النعت يفيد لزوم الوصف للموصوف، بينما الحال لا يدل على هذا اللزوم إلا من باب دلالة الالتزام، وهي نوع قياس، فإنه يلزم من احتماله سب اللئيم حال مروره عليه، احتماله له حال غيابه، من باب أولى، فقاس بقية أحواله على حاله عند المرور عليه، فكانت الدلالة نفس دلالة الصفة، ولكن الصفة نص في المسألة، خلاف الحال، ولو كان الاستدلال به عن طريق قياس الأولى، وهو من أقوى الأقيسة دلالة كما علم من الأصول، ولكن يبقى أنه قياس لا يلجأ المستدل إليه إلا مع غياب النص، والنص هنا موجود فلا محيد عنه، والله أعلم.
ومسألة القياس في اللغة مما تعرض له الأصوليون في كتبهم:
فبعض الأصوليين قال بجواز القياس في اللغة، فالعرب إذا سمت شيئا باسم لأجل صفة فيه ثم وجدنا تلك الصفة في شيء آخر، فلنا أن نقول بإطلاق ذلك الاسم عليه كإطلاقها الخمر على عصير العنب القاذف بالزبد، (أي الذي بلغ شدة الخمر في إسكارها)، وهذه التسمية لأجل صفة فيه: هي مخامرة العقل، فإذا وجدنا هذه الصفة في النبيذ سميناه خمرا في لغتهم.
والبعض الآخر منع من ذلك، لأن العرب إما أن تكون:
وضعت الاسم لهما معا، والوضع يلزم منه منع القياس، لأن الوضع كالنص، ولا حاجة للقياس مع وجود النص، لأنه تطويل لا فائدة فيه، إذ كيف يعدل المستدل عن النص الصريح في المسألة ليثبت حكمها بالقياس الذي يجتهد فيه وقد يصيب أو يخطئ؟.
أو تكون وضعت الاسم لواحد منهما، فليس لنا أن نتحكم ونزعم أنهم وضعوه للثاني أيضا، لمجرد اشتراكهما في علة التسمية، فهذه العلة، وهي الإسكار، في المثال السابق، تجيز لنا قياس النبيذ على الخمر، في حكم التحريم، لا النص على أن النبيذ هو الخمر المسكرة بعينها، وإن كان كل منهما مسكرا محرما.
أو يكون الأمر محتملا، والاحتمال يوجب التوقف في هذا الموضع، فما أدرانا أنهم وضعوا الاسم للمسمى الأول دون الثاني أو للثاني دون الأول، أو لكليهما في نفس الوقت؟.
وفائدة هذا الخلاف:
أن من قال بقياس اللغة، سوف يلحق النبيذ بالخمر في حكم التحريم، مباشرة، لأنها عنده خمر، بدلالة اللغة، ومن لم يقل به سيلجأ إلى القياس الشرعي، فيلزمه أولا البحث عن العلة وهي: الإسكار، ثم التحقق من وجودها في الفرع كما توجد في الأصل، ومن ثم إلحاق الفرع بالأصل بجامع العلة، فالنتيجة واحدة ولكن طريق القياس الشرعي أطول وأصعب، والله أعلم.
وقد ذكر الشيخ محمد الأمين الشنفيطي، رحمه الله، في مذكرة أصول الفقه، أنه يشترط في هذا القياس اللغوي أن يكون المقيس عليه، أي الأصل، مشتقا، لأن الاشتقاق مظنة تعليل الحكم، فلفظ: "قاتل"، على سبيل المثال: يستفاد منه في النص المانع لتوريث القاتل من تركة مقتوله إن كان من فروعه، يستفاد منه بيان علة عدم التوريث وهي: القتل، لأن لفظ "قاتل"، اسم فاعل، واسم الفاعل من المشتقات التي تعمل عمل الفعل، والله أعلم.
والمقيسات بالقياس الصرفي هي: الفعل واسم الفاعل واسم المفعول وصيغة المبالغة والصفة المشبهة وصيغة التفضيل واسم المكان واسم الزمان واسم الآلة، فكلها مشتقات لفظية يمكن استنباط علل الأحكام منها، والله أعلم.
بتصرف من مذكرة أصول الفقه ص207_209.