[الهجر في العربية]
ـ[عبير نور اليقين]ــــــــ[18 - 04 - 2006, 11:15 ص]ـ
لقد علمني صحب هذا المنتدى أن أسأل، فلا أخجل! ما دام لا أحد يعرفني، ولا يهمه أن يعرفني؛ فعامة من فيه يسعى إلى شاطئ المعرفة .. وكان مني لما توسدت يمناي، أن جال بخلدي طيف أقض مضجعي وحرمني لذة الوسن! وكان ذلك الطيف ظاهرة نادرة في العربية عز وجود مثيلاتها في لغتنا الجميلة، هي المسائل واللغات المهجورة، وبعضها فصيح ومحكي عن عامة العرب، ولكنه تُرك لسبب ما؟! وها أنذا أسوق واحدة منها تمثيلا .. فهاكم فعلين مضارعين هُجر ماضيهما، هما: يذر ويدع .. والماضي منهما: وذر وودع. أسأل أصحاب السبق في العربية: ما سر هذا الهجر؟ وما ضابطه؟ وما تحرير محل النزاع فيه؟
أرجو من المتفضلين، التأسيس في الأحكام والتحري في النقل ما أمكن! أما من ليس هذا هجيراه، ولا هو مخدعه ولا مأواه .. فإنا نقول له: ماذا بعُشك يا حمامة، فادرُجي ..
ـ[ابن النحوية]ــــــــ[18 - 04 - 2006, 01:26 م]ـ
هذا بابٌ من العربية عزيز، وهو مبثوث في كتب أهل اللغة وقد اختلفوا في عباراتهم، فمنهم من عبَّر بالإماتة لا بالهجر، وعلى رأسهم سيبويه 1/ 25، 4/ 109فقال: إن العرب أماتت ماضي (يدع)، ومنهم من عبَّر عنه بالاستغناء فقال: استغنوا بـ (تَرَكَ) عن (وَذَرَ) و (وَدَعَ)، وبـ (افتقر) عن (فَقُرَ)، ومن ذلك: عار الشيءَ: أَخَذَه، قال بعض العلماء: لم يُستعمل مضارعه.
وخالف جماعة في (وَدَعَ) وقالوا: بل استعمل الماضي والمصدر واسم الفاعل واسم المفعول منه، واستدلوا على ذلك بشواهد كثيرة أُوْرِدُها لشُداة العربية لنفاستها:
أ- ورد الماضي في قراءة شاذة: {ما وَدَعَكَ ربك وما قلى}، وفي صحيح البخاري: " أي عائشة: إن من شر الناس من وَدَعَهُ الناس اتقاء فحشه ".
وقال أنس بن زنيم، وقيل: أبو الأسود:
سل أميري ما الذي غَيَّره =عن وصالي اليوم حتى وَدَعَه
وقال سويد بن أبي كاهل:
فَسَعى مَسْعَاتهم في قومه =ثم لم يدرك ولا عجزًا وَدَعْ
وقال آخر:
فكان ما قدَّموا لأنفسهم =أكثر نفعًا من الذي وَدَعوا
وقال آخر:
وثم وَدَعْنا آل عمرو وعامرٍ= فرائسَ أطراف المُثَقَّفة السُّمْرِ
ب - ورد المصدر في قوله صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم: " لينتهين قوم عن وَدْعِهم الجُمُعات ".
ج - ورد اسم الفاعل في قول قيس بن الحدادية:
فأيُّهما ما اتْبَعَنَّ فإنني= حزينٌ على تَرْكِ الذي أنا وادعُ
وقال معن بن أوس:
عليه شريبٌ ليِّنٌ وادعُ العصا= يُساجلها حُمَّاتُه وتساجلُه
د- ورد اسم المفعول في قول خفاف بن ندبة:
إذا ما استحمَّت أرضُهُ من سمائه =جرى وهو مودوع وواعدُ مَصْدَقِ
ـ[معالي]ــــــــ[18 - 04 - 2006, 02:02 م]ـ
السلام عليكم
ما ذا بعشي _أستاذي عبير_، وسأدرج _ممتثلة لأمركم_ بعد أن أحيّي منكم براعة السؤال، ومن أستاذنا ابن النحوية براعة الجواب، على أمل ألا يكون ما تقدّم نهاية الحديث في هذا الباب، فقد فتحتم بابًا عزيزًا لم أكن لألجه لولا الله ثم إشارتكم إليه!
بارك الله فيكم ونفع بعلمكم.
ـ[أبو محمد المنصور]ــــــــ[18 - 04 - 2006, 03:24 م]ـ
في البدء أشكر لكم هذا الثراء في كل مُقترَح تتلقاه العيون في هذا المنتدى، وموضوع (الاستغناء أو الإماتة أو الهجر) بمعنى ترك استعمال كلمة لوجود ما يقوم مقامها ويؤدي معناها، نجده موزعا حسب المقامات فبعضٌ من مسائله تجده عند القول في الجموع إذ استغنى أهل هذا اللسان بصيغة جمع عن صيغة أخرى، وبعضها في باب الأفعال التي ليس لها استعمال في الأزمنة الثلاثة بل في بعضها، وهناك مسائل تتعلق بالاستغناء بالمفرد عن صيغة معينة من صيغ الجمع كاستغنائهم عن (ملامح) بالمفرد (لمحة) تقول: رأيت في وجه فلان لمحة من أبيه .. وأنت تعني ملامح من أبيه، مع أنهم استعملوا لفظ (ملامح) في مجال آخر فالاستغناء هنا لا يمكن قياسه لأن شاهده جاء في حالة واحدة، وهناك صور للاستغناء جاءت في باب الضمائر ... وهكذا؛ فليس لها ضابط يجمع الأشباه إلى أشباهها؛ لأنها لا تجري على سَنَنٍ واحد فما وُجد منها تكلموا عنه وما جُهل لم يتعرضوا له، وللعلم فإن سيبويه استخدم لفظ (استغنوا) في كتابه نحو عشرين مرة - كما أخبرنا أستاذنا محمد عبد الخلق عضيمة أحد الأفذاذ الذين صنعوا فهارس لأهم الكتب النحوية مثل كتاب سيبويه، وكتاب المقتضب وتفسير أبي حيان الموسوم بالبحر المحيط (وهذا الفهرس لم يطبع بعد وكان الشيخ -رحمه الله - تعاقد مع مكتبة دار العلوم بالرياض على نشره)، وبالجملة فإن هذه الألفاظ الدالة على الترك وغيره هي وصف للحالة وليست تعليلا لها علي أي حال، والدليل على صحة دعواي أن المتأخرين من علماء العربية وجدوا لبعض ما وُصِف من قبل بأنه مُسْتغنًى عنه وجودا في كلام العرب في بعض اللهجات، وهذا ينافي قول النحاة واللغويين (أماتوا كذا، أو أهملوا كذا أو استغنوا عن كذا .... إلخ) - انظروا إن شئتم كتابات الدكتور أحمد علم الدين الجندي، ووصف المُحْدَثين منهجَ فيشر في كتابه الذي ضاع الأمل في تحريره ونشره (المعجم التاريخي)، وتكميلات المعاجم العربية لدوزي: لتروا كثرة ما ظُن يوما أن العرب أماتته أو أو أو. إننا بحاجة إلى التأمل في هذا الموضوع لتصحيح المسار اللغوي لإثراء لغة هذا العصر بدلا من هذا التيار الجارف من الكلمات الغربية التي تغزونا كل ساعة بآلاف الألفاظ الدخيلة قهرا عنا، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
¥