[حول استعمالات "من" في لغة العرب]
ـ[مهاجر]ــــــــ[23 - 04 - 2006, 03:37 م]ـ
بسم الله
السلام عليكم
يقول ابن هشام رحمه الله:
"من" تأتي على خمسة عشر وجها:
أولا: ابتداء الغاية: وهو الغالب عليها، حتى ادعى جماعة أن سائر معانيها راجعة إليه، وتقع في:
الزمان: كقوله تعالى: (من أول يوم)، أي ابتداء الغاية الزمانية من أول يوم.
وفي الحديث: (فمطرنا من الجمعة إلى الجمعة)، أي ابتداء غاية المطر من يوم الجمعة إلى يوم الجمعة التالي، وهذا قول الكوفيين والأخفش والمبرد وابن درستويه.
والمكان: كقوله تعالى: (من المسجد الحرام)، أي أن ابتداء الغاية المكانية من المسجد الحرام.
والأشخاص: كقوله تعالى: (إنه من سليمان)، أي أنه صادر من سليمان صلى الله عليه وسلم، فهو ابتداء غايته.
وذات الله، عز وجل، كما في قوله تعالى: (وروح منه): أي أن عيسى صلى الله عليه وسلم روح من الأرواح التي ابتدأ الله، عز وجل، خلقها، لا أنه جزء من ذات الله، عز وجل، وفي هذا رد حاسم على بعض المتفاصحين، عندنا في مصر، من النصارى، إذ خرج علينا كبيرهم، وهو يزعم أنه من أرباب الفصاحة بل ومن شعراء العصر الحاضر لأبيات ركيكة كتبها في صدر شبابه، لو سمعها أبو الطيب المتنبي لقلب كفيه عجبا، ولأعاد النظر في صناعة الشعر، خرج ليقول بأن قرآن المسلمين يؤيد عقيدة النصارى في المسيح صلى الله عليه وسلم، بدليل الآية السابقة، فهي نص على أن عيسى صلى الله عليه وسلم جزء من الله، عز وجل، لأن "من" للتبعيض، وهذا قول النصارى، فعلام الاختلاف بين المسلين والنصارى والقرآن ناطق بتصحيح عقيدة النصارى؟!!!، والرد على هذا الاستدلال البارد: أن "من"، كما سبق، قد تستخدم لغير التبعيض، فتستخدم لابتداء الغاية، كقولك: سافرت من القاهرة، أي ابتدأت سفري من القاهرة، فلا يعقل أن يكون المعنى سافرت جزءا من القاهرة، وكذا في الآية: (وروح منه)، أي روح من الأرواح التي ابتدأ الله، عز وجل، خلقها، وعليه يصدق هذا الوصف في حق كل إنسان، فالله، عز وجل، ابتدأ خلق أرواحنا جميعا، فهو الخالق المقدر، البارئ المخرج لخلقه من حيز العدم إلى حيز الوجود، المصور لهم بما يتميز به كل فرد عن الآخر، فإن قيل: لم خص عيسى صلى الله عليه وسلم بهذا الوصف طالما أن الكل أرواح من الله؟، فالرد: أن الإضافة هنا من باب التشريف، وهو أسلوب استعملته العرب في كلامها، فالمعنى: هو روح من الله ابتدأ خلقها كبقية الأرواح ولكنها ليست كأي روح بل هي روح شريفة كريمة تستحق الإضافة لله، عز وجل، كما في قوله تعالى: (ناقة الله)، فهي ناقة كبقية النوق من جهة الخلق والتكوين، ولكنها معجزة نبي تستحق التشريف بإضافتها لله، عز وجل، فليست كباقي النوق، ولا يتصور أنها الناقة الخاصة بالله، عز وجل، من جهة الاستعمال، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، وكوصف المسجد الحرام بأنه "بيت الله"، فهو أيضا إضافة على وجه التشريف، وإلا كل البيوت من جهة الخلق، بيوت الله، عز وجل، بمعنى أنه ابتدأ خلقها، ولكن هذا البيت ليس كأي بيت من جهة شرفه، ولا يتصور أن المعنى أنه البيت الذي يسكنه الله، عز وجل، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
مستفاد من شرح الشيخ ابن عثيمين، رحمه الله، للواسطية.
ولا ندري من نصدق، أنصدق رجلا قال فيه ابن خلدون رحمه الله: "ما زلنا ونحن بالمغرب نسمع أنه ظهر بمصر عالم بالعربية، يقال له ابن هشام أنحى من سيبويه"، أم نصدق أعجميا من أعاجم نصارى زماننا يفسر لنا كتاب ربنا، عز وجل، وليته كان نصرانيا من زمن الاحتجاج كالأخطل، إذن لهان الخطب، ولعلمنا أنه وإن كان مغرضا إلا أنه على علم بلغة العرب يجعل الناظر في كلامه يتأنى قبل مقارعته الحجة بالحجة، اللهم إن الحق بين ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
وصدق الشاطبي المالكي، إمام المقاصد، رحمه الله، في قوله بأن النصارى قد يستدلون على صحة عقائدهم بآي القرآن، فلا يكفي للاستدلال بنصوص القرآن، قراءتها دون تدبر لأوجه الاستدلال، فأي دليل لابد فيه من أمرين:
صحة نقله، وهذا مسلم به في آي القرآن والأحاديث المتواترة دون نظر في طريق أو سند، وفي أحاديث الآحاد التي ثبت لأهل الاختصاص صحتها.
¥