[لااله الا الله اعرابا وبلاغة]
ـ[ابن شاهين]ــــــــ[30 - 04 - 2006, 10:41 ص]ـ
موسوعة إعراب وبلاغة "لا اله الا الله"
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين .....
وبعد:
فإن هذا الدين قويم ... ولا يشك فى مصدره الرباني الا مكابر عنيد .. ومن حيثما نظرت فيه حصل لك العلم أنه ليس من صنع البشر .... وأنه فوق ما تستطيعه العقول ... فانظر مثلا الى سعة الدين واستغراقه لكل أحوال الناس وتفسيره لكل ما يحتاجون اليه ... وضبطه لكل مجالات حركة ابن آدم .... ثم انظر من جهة آخرى الى ان هذا الدين الواسع الشامل قد لخص بإعجاز فى جملة واحدة ... هي الكلمة الطيبة ... فإن اخترت ان تتحدث عن دين الله فى شموله احوجك الامر الى مئات المجلدات .... لكن ان اخترت تلخيصه تأتى لك ذلك فى ثوان قليلة ..... وهي مدة نطقك "لا اله الا الله".
وإذا تقرر هذا ... كان من الضروري علميا الاعتناء بالكلمة الطيبة: صرفا وإعرابا وبلاغة ومعتقدا ... وكان من الضروري تربويا بسط الكلام فيها وتوضيح محتوياتها ... وبيان مقاصدها وكشف أفهام الناس لها ... إذ لا شك ان من حاد فى فهمها فقد حاد فى فهم الاسلام كله ..... ومن أولها فقد أول الشرع كله ... قال العلامة علي القاري:"فيتعين على كل موقن أن يعتني بشأنها مبنى ومعنى, لينقل من إفادة مبناها الى إعادة معناها, فإنها مفتاح الجنة [بالفتح] ,وعن الناربمنزلة الجنة [بالضم] ,للناس والجنة [بالكسر].وقد نص الأئمة من سادات الأمة أنه لا بد من فهم معناها المترتب على علم مبناها ,ليخرج من ربقة التقليد ويدخل فى رفعة التحقيق والتأييد وقد قال الله تعالى:"فاعلم انه لا اله الا الله" ....... انتهى كلامه رحمه الله.
هذا .... وقد عقدت العزم - بعون الله وفضله- أن أجمع هنا كل ما قيل عن "لا له الا الله" إعرابا وبلاغة ... وليس لي الا شرطان:
-الاستيعاب لأقوال الناس حسب المستطاع ....
-تسهيل العبارة وتوضيح الفكرة وضرب المثل حتى يتمكن غير المختص من الفهم.
وهذا أوان الشروع فى المقصود:
اعلم-وفقك الله- ان إعراب الكلمة الطيبة "لا اله الا الله"يقتضي الرجوع الى بابين فى النحو العربي:
-باب "لا"النافية للجنس.
-باب الاستثناء.
فالأول يتكفل بتوجيه عبارة"لا اله".
والثاني يتكفل بتوجيه عبارة"الا الله".
الكلام على "لا":
قال القاري:
"لا"نافية بلا خلاف فيها ...
وهذا يدل على اجماع المعربين للكلمة الطيبة على اعتبار "لا "تتضمن معنى النفي ... أي لم يذهب واحد منهم مثلا الى اعتبارها زائدة كما قيل عن زيادة "لا " فى قوله تعالى" {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} (1) سورة القيامة ..... وكما قيل عن زيادتها فى قوله: {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّن فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} (29) سورة الحديد.
(لِئَلَّا: تنحل الى ل. أن. لا .... وتقدير الكلام: لأن يعلم أهل الكتاب .... فتكون "لا "تأكيدية لا نافية ..... )
"لا" تسمى فى اصطلاح النحاة "لا التبرئة" ...... وقصروا هذه التسمية عليها دون غيرها من أحرف النفي. قال العلامة الأزهري فى شرح التصريح:"وحق "لا التبرئة أن تصدق على لا النافية كائنة ما كانت, لأن كل من برأته فقد نفيت عنه شيئا ولكنهم خصوها بالعاملة عمل "إن"فإن التبرئة فيها أمكن منها فى غيرها .... "
المقصود من هذا الكلام ان تسمية"التبرئة"اصطلاح نحوي خاص ... لم يحتفظ بدلالته اللغوية العامة .. وإلا لكانت"لم"و"لن"و"لما"و"إن" كلها للتبرئة ... لتضمنها معنى النفي ... لكنهم جعلوا التسمية مقصورة على لا عندما تكون لنفي الجنس .... لتتميز عن "لا الناهية" و"لا النافية" .... فضلا عن باقي النافيات ... لا" تسمى:"لا التبرئة" ... وتسمى "لا الجنسية أو النافية للجنس .....
فما الجنس؟
لعل هذا المفهوم وارد الى المجال التداولي النحوي .... ومقتبس من علم "المنطق" ...
حيث هو معدود عندهم هناك ضمن الكليات الخمس ...
قال ناظمهم:
والكليات خمسة دون انتقاص .......... جنس وفصل عرض نوع وخاص.
وقال شارحهم:
" [جنس] هو الكلي المقول على كثيرين مختلفين فى الحقيقة فى جواب "ما هو" كالحيوان فإنه يقال على الانسان والفرس والحمار ويصدق عليها فى جواب القائل: ما الانسان والفرس والحمار؟؟؟ فقال في الجواب: حيوان ...
وإن شئت قلت فى تعريف الجنس: هو جزء الماهية الصادق عليها وعلى غيرها ... "
وقيد"على غيرها"جيء به للاحتراز من "الفصل" وهو الشيء المميز .....
باختصار من شأن الجنس الجمع ومن شأن الفصل التفريق .. فالحيوانية مثلا جامعة للإنسان وغير الانسان ..... لكن "النطقية"تفصل الانسان عن الحيوان ....
فقولك:"لا حيوان فى الداخل" معناه نفي كون جنس الحيوان في الداخل ... فكل من كان فى ماهيته معنى"الحيوانية"كان منفيا وجوده فى الداخل .. كزيد وبكر وفرس ونحلة وفراشة .... الخ .....
"لا" تنفي الجنس ... فهذا يدل على عمومها .... نصا لا احتمالا ...
والنحاة يقدرون معها حرف"من":
فجملة "لا اله الا الله" التقدير فيها: "لا من اله الا الله" .....
ولقائل ان يقول: كيف دلت "من" على العموم؟
يجيب الدسوقي فى حاشيته على أم البراهين:"زيادة "من" في سياق النفي تدل على عموم النفي وذلك لأن الحرف الواحد يفيد التأكيد وتأكيد النفي يفيد العموم ..
ويعني بكلامه .. أن النفي حصل بدون الحرف ..... فإذا أضيف الحرف فقد زاد تأكيد المعنى ... ولا يتصور زيادة النفي الا زيادة في الاستغراق والشمول ....
هذا الملحظ وارد ايضا من جهة البلاغة ... فتقدير: لا من اله الا الله" ..... واقع في جواب سؤال مقدر, وحاصله هل من إله غير الله؟ فقال مجيبه: لا من اله الا الله ...
وكذا يقال فى "لا رجل فى الدار" وأمثاله أنه جواب على سؤال مقدر, والأصل هل من رجل فى الدار؟ فقال مجيبه: لا من رجل فى الدار, فزيدت فى الجواب لأجل الدلالة على التنصيص على العموم كما فى السؤال لأن زيادة "من" فى سياق النفي او الاستفهام تفيد العموم ثم لما تضمن الاسم معناها لم تذكر فى الجواب.
يتبع ان شاء الله ..
¥