[حوار حول آية]
ـ[مهاجر]ــــــــ[26 - 04 - 2006, 10:43 ص]ـ
بسم الله
السلام عليكم
حدثني أحد إخواني الكرام عن حوار دار بينه وبين أحد النصارى على الـ " paltalk" حول قوله تعالى: (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ)، فادعى ذلك النصراني أن أهل الكتاب من قبلنا هم المرجعية فإن شك محمد صلى الله عليه وسلم في شيء من أمر دينه فليرجع إليهم فعندهم الخبر اليقين!!!!!!!، ونصحني ذلك الأخ أن أرجع إلى تفسير الطبري، رحمه الله، المتوفى سنة 310 هـ، ذلك الإمام العلم الذي أتعب المفسرين من بعده، فكانوا عالة عليه شاءوا أم أبوا، أقروا أم جحدوا، وعندما رجعت إلى تفسيره لهذه الآية، وهو ممن يهتم بإيراد الشواهد اللغوية من كلام العرب وجدت كلاما نفيسا فأحببت أن أذكر طرفا منه في هذه المداخلة:
يقول الطبري رحمه الله:
يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَإِنْ كُنْت يَا مُحَمَّد فِي شَكّ مِنْ حَقِيقَة مَا أَخْبَرْنَاك وَأُنْزِلَ إِلَيْك مِنْ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيل لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي نُبُوَّتك قَبْل أَنْ تُبْعَث رَسُولًا إِلَى خَلْقه , لِأَنَّهُمْ يَجِدُونَك عِنْدهمْ مَكْتُوبًا وَيَعْرِفُونَك بِالصِّفَةِ الَّتِي أَنْتَ بِهَا مَوْصُوف فِي كِتَابهمْ فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل ; فَاسْأَلْ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَاب مِنْ قَبْلِك مِنْ أَهْل التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل كَعَبْدِ اللَّه بْن سَلَام وَنَحْوه مِنْ أَهْل الصِّدْق وَالْإِيمَان بِك مِنْهُمْ دُون أَهْل الْكَذِب وَالْكُفْر بِك مِنْهُمْ.
فالمعنى أن يسألهم عن ذكره في كتبهم لا أن يسألهم عن أمر دينه إذا أشكل عليه شيء منه.
ثم ذكر كعادته الروايات التي تؤيد هذا القول، فتفسيره كما علم من التفاسير التي جمعت بين المأثور والمعقول.
ثم ذكر وجه استعمال هذا الأسلوب في كلام العرب، وهو الشاهد الذي يهمنا بالدرجة الأولى في هذه المداخلة فقال:
فَإِنْ قَالَ: فَمَا وَجْه مَخْرَج هَذَا الْكَلَام إِذَنْ إِنْ كَانَ الْأَمْر عَلَى مَا وَصَفْت؟ قِيلَ: قَدْ بَيَّنَّا فِي غَيْر مَوْضِع مِنْ كِتَابنَا هَذَا اِسْتِجَازَة الْعَرَب قَوْل الْقَائِل مِنْهُمْ لِمَمْلُوكِهِ: إِنْ كُنْت مَمْلُوكِي فَانْتَهِ إِلَى أَمْرِي ; وَالْعَبْد الْمَأْمُور بِذَلِكَ لَا يَشُكّ سَيِّده الْقَائِل لَهُ ذَلِكَ أَنَّهُ عَبْده. كَذَلِكَ قَوْل الرَّجُل مِنْهُمْ لِابْنِهِ: إِنْ كُنْت اِبْنِي فَبِرَّنِي ; وَهُوَ لَا يَشُكّ فِي اِبْنه أَنَّهُ اِبْنه , وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ كَلَامهمْ صَحِيح مُسْتَفِيض فِيهِمْ , وَذَكَرْنَا ذَلِكَ بِشَوَاهِد , وَأَنَّ مِنْهُ قَوْل اللَّه تَعَالَى: {وَإِذْ قَالَ اللَّه يَا عِيسَى اِبْن مَرْيَمَ أَأَنْت قُلْت لِلنَّاسِ اِتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُون اللَّه} 5 116 وَقَدْ عَلِمَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّ عِيسَى لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ. وَهَذَا مِنْ ذَلِكَ , لَمْ يَكُنْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاكًّا فِي حَقِيقَة خَبَر اللَّه وَصِحَّته , وَاَللَّه تَعَالَى بِذَلِكَ مِنْ أَمْره كَانَ عَالِمًا , وَلَكِنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ خَاطَبَهُ خِطَاب قَوْمه بَعْضهمْ بَعْضًا , إِذْ كَانَ الْقُرْآن بِلِسَانِهِمْ نَزَلَ.
فإذا ما قسنا قول الله، عز وجل، لنبيه صلى الله عليه وسلم: (فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك)، على قول الرجل لعبده: إن كنت مملوكي فانته إلى أمري، ولله المثل الأعلى، إذا ما قسنا هذا على هذا بجامع أن المتكلم في كلا الحالين يعلم صدق ما يتكلم به، وإنما أراد بذلك حث المخاطب على الامتثال، فالله، عز وجل، يعلم يقينا أن عبده محمد صلى الله عليه وسلم غير شاك، فلا يلزم من سؤاله لأهل الكتاب، إن سألهم، أنه شاك، كما لا يلزم من قول السيد لمملوكه: إن كنت مملوكي فافعل كذا، أنه يشك في ملكه له، والله أعلم.
ويلفت الطبري، رحمه الله، النظر إلى نقطة مهمة وهي:
¥