نعم، أعترف بأنّه يتوقّف صحّة ما ذكرناه من إنكار ثبوت هذا الاصطلاح، على أنْ لا يكون له في كلمات من تقدَّم على النّاظم وابنه من النّحاة، أو على الأقلّ في كتب نفس النّاظم المتقدّمة على الألفيّة، عينٌ ولا أثر؛ وهو ممّا لمْ يتسنّ لي تحقيقه ومراجعته، لفقدان المصادر وعدم سهولة الوصول إليها.
نعم، حتّى لو أحرزنا ثبوت هذا الاصطلاح في كلمات من تقدَّم، يبقى ما أوردناه عليهم من السّؤال قائماً، وأنّا لا نرى غرضاً عُقَلائيّاً يوجبه ويصحِّحه.
ـ[عاملة]ــــــــ[18 - 05 - 2006, 07:35 م]ـ
يبدو أنّ هذا الموضوع الذي طرحته لمْ يلْقَ صدىً لدى إخوتي في هذا المنتدى، فلذلك أذكر ما توصّلْتُ إليه برأيي القاصر في هذه المسألة، طمعاً في تعليقات الإخوة والأساتذة وإفاداتهم، لا تعنّتاً ولا مراءً والعياذ بالله. فأقول:
أعتقد أنّه لا يُسْتَعمَل لفظ (الكلم) في كلمات النّحاة الأقدمين إلاّ في معنىً واحد فقط، وهو المعنى اللّغويّ لهذه الكلمة، وأمّا الاصطلاح المزعوم في بعض الكتب، وهو أنّ (الكلِم) هو ما تركّب من ثلاث كلماتٍ فصاعداً، فغير ثابتٍ بنظري، وذلك لأنّ الاصطلاح في كلّ فنٍّ، وإنْ كان ممّا يكفي في ثبوته مجرَّد تنصيص أرباب ذلك الفنّ عليه، لانحصار حقّ الاصطلاح بهم؛ إلاّ أنّه مع ذلك: لنا أنْ نناقش في ثبوت ما ادّعوه من المعنى الاصطلاحيّ للفظ ، لأنّ مقولة: إنّما قلنا بها لأجل أنّنا قد فرضنا حكمة أهل الفنّ، واستنادهم فيما يذكرون على مناشئ ومبرّراتٍ عقلائيّة، وحينئذٍ: فلنا أنْ تسألهم عن المنشأ والمبرّر العقلائي الذي استدعى منهم أنْ ينقلوا لفظة عن معناها اللّغويّ والعرفيّ, وهو: ـ والجمع هنا بمعناه العرفيّ لا الاصطلاحيّ، أي: فهو يعمّ الجمع الاصطلاحيّ واسم الجمع واسم الجنس ـ إلى ذلك المعنى الجديد: الذي هو ما تركّب من ثلاث كلماتٍ فصاعداً:
فإنْ قالوا: له منشأ؛ فإنّا لا نراه ولا نعلمه, ولا سيّما أنّ ليس موضوعاً للنّحو ولا مأخوذاً بهذا المعنى المصطلح في حدّه، ولا ممّا يتوقّف عليه الغرض منه, ولا موضوعاً لحُكْمٍ نَحْويّ, أو محمولاً لموضوع كذلك؛
وإنْ قالوا: لا منشأ له؛ قلنا: النّقل والاصطلاح لا لغرضٍ، لغوٌ وعبث, ونحن ننزّه أنفسنا وعلماءنا عنه.
لا يقال: الكلم بالمعنى الاصطلاحي, وهو: ما تركّب من ثلاث كلمات فصاعداً, هو نفس المعنى العُرْفيّ واللغويّ, أي: بمعنى جمع كلمة, لأنّ أقلّ الجمع ثلاث كلمات.
فإنّه يقال: فرقٌ بين أنْ نقول: الكلم جمع كلمة, وبين أنْ نقول: الكلم هو ما تركّب من كلمات؛ فإنّه على الأول، يكون من الألفاظ المستعملة للدلالة على الجمع والكثرة, بخلافه على الثاني، فإنّه حينئذٍ يكون من قبيل: ألفاظ و ونحوها ممّا دلّ على واحدٍ مركب من أبعاضٍ وأجزاء؛ وليس يلزم في كلّ جمعٍ أنْ يكون مركّباً, لأنّ التركيب يقتضي انسجاماً وتآلفاً ما، بين الأبعاض والأجزاء بحيث يحصل بهذا الانسجام والتآلف كيانٌ واحد وجسمٌ فارد، ولا كذلك الجمع كما لا يخفى.
فالمعنى الاصطلاحيّ المزعوم ـ على فرض التسليم به ـ مغايرٌ للمعنى اللّغوي ومنقولٌ عنه لمناسبةٍٍٍ لا تخفى, إلاّ أنّ الشأن والبحث المهمّ إنّما هو في ثبوت الغرض المعتبر المصحّح له.
والذي يقوى عندي ـ بحسب أغلب الظنّ ـ:
أنّ هذا المعنى الاصطلاحيّ غير ثابت, وأنّ الذي أوجب توهّم البعض بثبوته، إنما هو الاشتباه في فهم هذا البيت من ألفيّة ابن مالك:
كلامنا لفظٌ مفيد كاستقم واسمٌ وفعلٌ ثمّ حرفٌ الكلم
وكذلك بعض الكلمات الصّادرة من غير ابن مالك, وربّما يكون منها كلام ولده بدر الدّين في شرحه على الألفيّة, حيث أخذ في مقايسة الكلام بالكلم محاولاً إيجاد النسبة بينهما, فظنوا أنّ مراده أنّ الكلم مركّبٌ كالكلام, إذ لا نبحث عن النسبة بين شيئين إلا بعد إحراز اشتراكهما في شيءٍ أولاً, فلمّا كان مركّباً, وبحثوا عن النسبة بينه وبين دلّ ذلك ـ بظنّهم وتخيّلهم ـ على أنّ مركّبٌ مثله أيضاً.
ويشهد لما ذكرْنا قرينتان:
إحداهما: قول بدر الدين ابن النّاظم في شرحه: ، فإنّه من الواضح أنّ المراد به الكلم بالمعنى اللّغوي لا الاصطلاحيّ المزعوم، لِما ذكرنا من أنّه على المعنى الاصطلاحيّ لا يكون من الألفاظ الدّالّة على الكثرة, فلا يمكن أنْ يكون اسم جِنْسٍ جَمْعِيّ.
والثانية: قوله أيضاً: ؛ فإنّه على المعنى الاصطلاحيّ لا يكون جَمْعاً كما شرحنا.
نعم، أعترف بأنّه يتوقّف صحّة ما ذكرناه من إنكار ثبوت هذا الاصطلاح، على أنْ لا يكون له في كلمات من تقدَّم على النّاظم وابنه من النّحاة، أو على الأقلّ في كتب نفس النّاظم المتقدّمة على الألفيّة، عينٌ ولا أثر؛ وهو ممّا لمْ يتسنّ لي تحقيقه ومراجعته، لفقدان المصادر وعدم سهولة الوصول إليها.
نعم، حتّى لو أحرزنا ثبوت هذا الاصطلاح في كلمات من تقدَّم، يبقى ما أوردناه عليهم من السّؤال قائماً، وأنّا لا نرى غرضاً عُقَلائيّاً يوجبه ويصحِّحه.