لو قال أحدهم مثلا: (لا يصح استعمال (لولا) مع ضمير النصب المتصل فلا يقال (لولاك)، وإنما تتصل بضمير الرفع المنفصل فيقال: (لولا أنت)).
هذا الكلام قاله بعض علماء اللغة ودليله أن ذلك لم يسمع عن العرب، وكلمة (لم يسمع) تكون بحسب استقراء المتكلم.
فيجيء عالم آخر ويقول له: (عدم سماعك ليس دليلا على المنع؛ لأنه قد سمعه غيرك، قال الشاعر:
وأنت امرؤ لولاي طحت كما هوى .... بأجرامه من قلة النيق منهوي)
فهنا هذا المثبت قال هذه الكلمة (عدم السماع ليس دليلا)، ولكنه قرنها بدليل مسموع على كلامه، فكان كلامه صوابا أو متجها.
أما أن يأتي شخص ويقول: (عدم السماع ليس دليلا) ويكتفي بهذه الكلمة، بغير أن يقرنها بدليله المسموع، فهذا خطأ ولا يمكن أن يوجد لحن في الدنيا إذا كانت هذه الجملة صحيحة. لأنه ما من لفظ أو تعبير خطأه أهل اللغة إلا ويمكننا أن نرد عليهم بتلك الجملة (عدم السماع ليس دليلا).
وأما ما قاله الأخ أبو ريان (إذا وجد معه دليل آخر يدل على النفي كعدم صحة القياس أو عدم النظير)، فكلام صحيح ولكنه ليس على إطلاقه؛ لأن العلماء قديما وحديثا من أيام الأصمعي والكسائي إلى عصرنا هذا يخطئون كثيرا من الألفاظ والتعابير لأنها لم تسمع عن العرب، مع أنها قد تكون جارية على القياس، وقد يكون لها كثير من النظائر، ومع ذلك لا تصح لأنها لم تسمع عن العرب.
والقياس نوعان: قياس مطلق وقياس مقيد، فالقياس المطلق يكون في القواعد المطردة كرفع الفاعل ونصب المفعول، فليس شرطا أن نسمع الرفع في كل فاعل والنصب في كل مفعول، بل متى رأينا الفاعل رفعناه وإن لم نسمعه بعينه مرفوعا عن العرب.
والنوع الثاني: القياس المقيد، وهو القياس عند عدم السماع، وأمثلة ذلك كثيرة، مثل أنواع المصادر التي يذكرها الصرفيون، فمثلا هب أنه لم يرد عن العرب جمع كلمة (قلب)، فالمعروف صرفيا أن وزن (فَعْل) يجمع على (فُعُول) قياسا، فلنا أن نجمعها على (قلوب) بهذه القاعدة، ومعنى القياس هنا أنه إذا لم يسمع عن العرب جمع، فأما إذا سمع فإنه يقتصر على المسموع.
وأحب أن أبين أن الأصل في اللغة هو السماع عن العرب، وأما القياس والقواعد النحوية والقواعد الصرفية وعدم النظير .. إلخ، فكل هذه الأمور إنما استنبطها العلماء من هذا المسموع، فهي فرع والمسموع أصل، فلا يصح أن نقلب الآية، ونجعل الفرع حاكما على الأصل، وكذلك لا يصح لنا أن نعطي الأمور أكبر من حقها، لأن كثيرا من هذه الاستنباطات التي استنبطها العلماء تكون أغلبية وليست إحاطية؛ لأنها تكون بحسب استقراء هذا العالم، فقد يقعد قاعدة أو يقيس قياسا، ويخالفه بعض المسموع الشاذ، فلا تكون هذه القاعدة حجة على المسموع المخالف له؛ لأنها أصلا إنما بنيت على استقراء ناقص، والاستقراء الناقص هذا إنما يفيد في تقريب العلوم وضبطها في قواعد يسهل حفظها واستحضارها لجمع شتات المسائل المنثورة في أبواب واضحة معروفة، أما أن تصير هذه القواعد قرآنا نرد به الأصل المسموع من العرب، أو نجعلها حاكما على الأصل فهذا خطأ.
والله تعالى أعلى وأعلم.
ـ[عاملة]ــــــــ[22 - 05 - 2006, 09:35 م]ـ
أخي العزيز أبو مالك
قد أفصحْتَ فأجدْت، ونطقْتَ فأوضحْت، فللّه درك، وعلى الله تعالى أجرك.
وأخيراً .. لي طلبٌ عندك أيّها العزيز، لا أدري إنْ كنْتَ قرأْتَ الموضوع الذي أدرجته أنا تحت عنوان: ما معنى مصطلح (الكلم) عند النّحاة؟ ولقد ذكرْتُ رأياً متواضعاً لي في هذه المسألة هناك، فأرجو منكَ ومن جميع الإخوة التعليق عليه مع الإمكان، لبيان مواطن الضّعْف التي فيه، حرصاً منّي ـ والله يشهد ـ على تحرّي الحقّ والحقيقة.