تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

نجد أن العام الذي أريد به الخصوص قد اطرد استعماله في الوحي المنزل، فمن ذلك:

قوله تعالى: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ)، فـ: "أل" في "الناس": جنسية استغراقية لعموم ما دخلت عليه، وقد أريد بها خصوص النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما دل على ذلك السياق الذي وردت فيه، فقد حسده أهل الكتاب من يهود على اصطفاء الله، عز وجل، له، بالرسالة الخاتمة العامة عليه. وبعض أهل العلم وسع دائرة الخصوص المراد لتشمل عموم المؤمنين برسالة الإسلام، وبعضهم جعل: "أل" للعهد الذهني كما سبقت الإشارة إلى ذلك، وإلى ذلك أشار أبو السعود، رحمه الله، بقوله: "واللام في الناس للعهد والإشارةِ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين". اهـ

وقوله تعالى: (وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ)، فإن عموم "أل" في: "المشركات" قد أريد به: خصوص ما عدا الكتابيات، إذ نكاحهن جائز بدلالة الكتاب والسنة، أو يقال: "أل" عهدية ابتداء فيما سواهن من المشركات من الوثنيات والملحدات ......... إلخ، أو يقال: هو عموم قد خص بآية المائدة: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ)، أو نسخ منه نكاح الكتابيات فقط، نسخا جزئيا كما جوز ذلك الأحماف، رحمهم الله، فالخطب يسير إذ مؤدى الأقوال واحد، كما تقدم، وإنما الغرض هنا الإشارة إلى اطراد هذا المسلك في نصوص الوحي المنزل كما تقدم.

ومنه أيضا:

قوله تعالى: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ)، فدلالة: "كل" على العموم في هذا السياق: دلالة مجازية، إن قلنا بأنها من العموم الذي أريد به خصوص ما سوى الله، عز وجل، الذات القدسية المتصفة بصفات الكمال العلية، إذ يصح الإخبار عن الله، عز وجل، بأنه: "شيء" مصداق قوله تعالى: (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ)، ولا إشكال في ذلك إذ المراد هنا إثبات حقيقة الذات القدسية المتصفة بأوصاف الكمال المطلق، فهي حقيقة وجودية لها كيف لا تدركه عقولنا وإن أدركت معناه، لا صورة وهمية كما هو لازم مقالة من جردها من أوصاف الكمال من الفلاسفة الذين جعلوها: ذاتا مطلقة بشرط الإطلاق عن أي وصف، وذلك لا يكون إلا وصف العدم!!، وسار على طريقتهم من سار من غلاة نفاة الصفات إمعانا في التنزيه، زعموا، حتى نفوا صفات الباري، عز وجل، بحجة نفي مشابهته للكائنات الحادثة!!!، مع أن الاشتراك في المعاني الكلية التي تدل عليها الألفاظ الموضوعة للدلالة على معانيها كـ: "السمع" و "البصر" و "العلم" ......... إلخ لا يلزم منه الاشتراك في الحقائق، إذ الأولى في الذهن، والثانية خارجه، والاشتراك في المعاني الذهنية لا يلزم منه الاشتراك في الحقائق الخارجية.

الشاهد أن العموم في هذه الآية على هذا القول يكون مجازا، فالمعنى المراد: الله خالق كل شيء مما يصح إطلاق وصف الخلق عليه من الكائنات الحادثة، فخص العموم بهذا الوصف الذي يخرج الله عز وجل منه.

أو يقال: هو من العموم المخصوص فلا يكون هناك مجاز عندئذ، ويكون المخصص في هذه الصورة هو العقل فهو يدل بداهة على أن ذات الخالق، عز وجل، وأسماءه وصفاته وأفعاله كل ذلك: غير مخلوق.

ومنه أيضا:

قوله تعالى: (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ)، فدلالة: "كل" أيضا مجازية على التفصيل المتقدم فلم تدمر السماوات والأرض، ولم تدمر مساكنهم كما ورد في السياق نفسه: (فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ)، فيكون المعنى المراد: تدمر كل شيء مما أمرت بتدميره بأمر ربها الكوني، فلم تؤمر بتدمير السماوات والأرض ولا حتى تدمير مساكنهم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير