أرشيف منتدى الفصيح - 1

ومن تأمل ما وقع بعد وفاته صلى الله عليه وعلى آله وسلم من تمكين لأتباعه، إذ دانت لهم ملوك الشرق والغرب، وتغيرت موازين القوى في العالم القديم، في زمن قياسي، بإمكانيات متواضعة، أذهلت مؤرخي الغرب من أصحاب التفسير المادي البحت للتاريخ الإنساني، ومع هذا الاكتساح العسكري، دخلت أمم الأرض في دين الله أفواجا، بعد أن فتح المسلمون القلوب، فلم يكره أحد على مفارقة دينه، كما اعترف بذلك من أنصف من كتاب الغرب، فلم يكن الفتح الإسلامي احتلالا كاحتلال فارس والروم، بل لم تنعم شعوب تلك الإمبراطوريات بالحرية الدينية والإنسانية إلا في ظل الحكم الإسلامي الذي يخوف البشر اليوم به فهو "البعبع" القادم!!!، ونصارى مصر خير شاهد على ذلك إذ لم يتخلص الأرثوذكس اليعاقبة من نير الاضطهاد الديني على أيدي الروم الكاثوليك الملكانيين إلا بعد الفتح العُمَري العَمْري المبارك سنة 21 هـ.

ولم يكن الإسلام كبقية الحركات التوسعية التي اكتسحت العالم القديم، فتلك زالت بزوال دولها وفناء قادتها وذهاب قوتها إذ جرت عليها السنة الكونية بالانحسار بعد الانتشار، فلم يكن لها من التأثير الفكري على شعوب البلاد المحتلة ما كان للإسلام، إذ كان احتلالها: احتلال أراض واستعباد أبدان، ضجت منه الشعوب المحتلة، بخلاف الإسلام الذي أنصف المخالف، وكان له من التأثير الفكري ما حمل أهل البلاد المفتوحة على اعتناقه بلا إكراه، وفي التنزيل: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)، و: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)، فليس لأحد تسلط على القلوب إذ هي بيد مقلبها، وإنما تكون هداية البشر: هداية دلالة وإرشاد لا توفيق وإلهام، فهذه ليست لأحد سوى الله عز وجل.

واعتبر بحال ملوك كالإسكندر المقدوني الذي دوخ العالم القديم بفتوحاته العسكرية، فأين أثر مشروعه الآن إلا في بطون الكتب؟!! مع أنه قد بلغ الغاية في فنون الحرب، ولكنه لم يكن فاتحا للقلوب إذ لا يكون ذلك إلا بالوحي المنزل، وأنى له به؟!!.

وقل مثل ذلك في الحضارة اليونانية القديمة، وهي حضارة مادية شهوانية قامت على تقديس اللذة الجسدية الفانية ففنت بفناء اللذات التي قدستها ولم يبق من رسمها اليوم إلا تماثيل وصور عارية تدل على مدى انحطاطها الأخلاقي.

وحديثا: التاج البريطاني الزائل، والجمهورية الفرنسية النابليونية، والإمبراطورية السوفييتية ......... إلخ، وقريبا تلحق بها الولايات المتحدة الأمريكية إذ سنة الله، عز وجل، في كونه جارية.

واعتبر بمصر، وهي التي يطلق عليها وصف: "مقبرة الغزاة"، فلم يدم فيها حكم البطالمة والرومان ..... إلخ، وحديثا: لم ينجح المحتل الفرنسي أو الإنجليزي في تثبيت أقدامه فيها، وإن نالها من أثر احتلاله ما نلاها، إلا أنها بقيت مذ فتحها عمرو، رضي الله عنه، وإلى يوم الناس هذا، إسلامية، رغم أنف العلمانيين، بل لم يتزحزح الشعب المصري عن مذهب أهل السنة، رغم وقوع مصر في قبضة العبيديين الإسماعيلية الذين حكموا مصر من 358 هـ إلى العقد السادس من القرن السادس الهجري، وهي مدة زمنية كافية لتحويل أي أمة عن دينها، إن كان باطلا في نفس الأمر، بالإقناع أو الإغراء أو بحد السيف، وقد مارس بنو عبيد، أخبث الملوك سيرة، أبشع أنواع القهر السياسي والعسكري والفكري لنشر نحلتهم الفاسدة، فلم يستجب لهم المصريون، وإن تأثروا ببعض بدعهم من قبيل الموالد وتعظيم الأضرحة .......... إلخ.

واعتبر بحال الجزائر الحبيبة التي رزحت تحت نير الاستعمار الفرنسي نحو 130 سنة، فلم تبدل نعمة الله كفرا، وبقيت الجزائر إسلامية، رغم أنف المستعمر الكاثوليكي، ولسان حال أهل الجزائر لسان مقال الإمام العلامة مجدد الأمة الجزائرية: عبد الحميد بن باديس رحمه الله: "الإسلام ديننا والعربية لغتنا".

¥