"فوكوياما" الذي كتب عن استعصاء الإسلام وحده على الخضوع لهذه الحداثة الأمريكية والقبول بهذه المبادئ الغربية: "التي تلقى قبولا كبيرا لدى الكثيرين من شعوب العالم غير الغربية، إن لم نقل جميعها، (فجميعها أصحاب حضارات إنسانية دنيا يسهل على المدنية الغربية بصواريخها وحاسوباتها غزوها باسم التقدم التكنولوجي المرهون بانتحال مبادئ الحداثة المعاصرة، فلا تروج إلا على الجاهل أو ضعيف النفس الذي يزهد في الحق الذي بين يديه منبهرا بخلاق زائل كما هو حال العلمانيين المعاصرين) ......... بينما الإسلام هو الحضارة الوحيدة في العالم التي يمكن الجدال بأن لديها بعض المشاكل الأساسية مع الحداثة الغربية، فالعالم الإسلامي لا يرفض فقط السياسات الغربية، وإنما يرفض المبدأ الأكثر أساسية للحداثة الغربية وهو العلمانية نفسها ........ وإن الصراع الحالي ليس معركة ضد الإرهاب، ولكنه ضد الأصولية الإسلامية التي تقف ضد الحداثة الغربية، وهذا التحدي، بالنسبة لأمريكا، هو أكثر أساسية من الخطر الذي شكلته الشيوعية". اهـ بتصرف
فليس الصراع صراع مصالح مادية، وإنما هو صراع عقائد وتصورات، فالإسلام، الذي نعته بالأصولية، في مقابل العلمانية الأرضية التي نبتت في رحم النصرانية المشوهة فكان هذا المسخ الذي يعبد شهواته ويرتدي مسوح الدين عند اللزوم، لحشد الرعاع لحملة صليبية كحملة بوش التي أعلن عنها بعد 11 سبتمبر، وما تخفي صدورهم أكبر.
نقلا عن: "التطاول الغربي على الثوابت الإسلامية"، ص51، 52.
و "هنتنجتون"، صاحب نظرية: "صراع الحضارات" يدعو بعد 11 سبتمبر، الشماعة النموذجية لكل اعتداء على دين الإسلام وأهله خلال العقد الحالي، يدعو إلى ما سماه بـ: "حرب داخل الإسلام، حتى يقبل الإسلام الحداثة الغربية والعلمانية الغربية ............ والمبدأ المسيحي: فصل الدين عن الدولة". اهـ
وهو بهذا يصادق على كلام فوكوياما الذي قال: "وإن التطور الأهم يجب أن يأتي من داخل الإسلام نفسه، وعلى المجتمع الإسلامي أن يصل إلى وضع سلمي مع الحداثة، وخاصة فيما يتعلق بالمبدأ الأساسي حول الدولة العلمانية". اهـ
بتصرف من: "التطاول الغربي على الثوابت الإسلامية"، ص52.
ولعل قسمة بوش الثنائية: محور الاعتدال المغلوب على أمره، ومحور الشر الذي يغلب على أعضائه الانحراف العقدي وإن انتسب إلى القبلة باستثناء المقاومة الإسلامية في فلسطين التي تحشر معهم حشرا، لعل تلك القسمة مظهر من مظاهر تلك الحرب الداخلية، فضلا عن الحرب الداخلية داخل المجتمعات الإسلامية بين المستغربين والصحوة الإسلامية المعاصرة.
والعلمانية التي تخوض الصراع ضد الإسلام ليست مبدأ نصرانيا، كما زعم فوكوياما وهنتنجتون، وإنما هي مبدأ باباوي فهمته الكنيسة من بتر القول المنسوب إلى المسيح عليه السلام: "أعط ما لقيصر لقيصر وما لله لله".
يقول صاحب رسالة العلمانية حفظه الله وسدده وأتم شفاءه:
"هذا القول هو أقوى وأصرح حجج الكنيسة، ولقد ظل شعاراً ترفعه أوروبا كلما أملى عليها الهوى أن تخالف شرع الله وتتمرد على شرعه، وبفضل هذا الشعار أخذ الدين ينكمش وينحسر على مر القرون حتى لم يبق له في أحسن الأحوال إلا ساعة في الأسبوع خاوية من كل معنى .. فما قيمة ذا الدليل بالمناظرة العلمية المنصفة؟
لقد سبق أن قلنا إن كل ما روى عن المسيح من أقوال ليست منسوبة إليه يقيناً، بل لا ظناً راجحاً، فالكنيسة بدلت وحرفت وأضافت وحذفت حتى طمست تعاليمه وأقواله ودفنتها إلى الأبد، وهذا القول مما يجوز أن يقال فيه – مبدئيا – إن المسيح لم يقله وإنه من إضافات الكنيسة، ومادام البحث العلمي يقرر أن الأناجيل كلها ظنية الثبوت ظنية الدلالة فكيف يسوغ للكنيسة أن تحتج بهذه الظنيات في مسألة بالغة الخطورة كهذه؟
ولندع القيمة العلمية التاريخية للنص وننظر نظرة موضوعية فاحصة في منطوق العبارة ومدلولها فماذا نجد؟
¥