وقد صادف هذا التفسير المعوج هوى عند الساسة، فضلا عن رجال الدين الذين اشتروا بعهد الله ثمنا قليلا من رياسات زائلة وشهوات فانية، فصار الأمر تبادل مصالح: مؤسسة دينية صورية تضفي شرعية على قيادات منحرفة فتبارك أخطاءها، كما هو الحال في واقعنا المعاصر في كثير من الأقطار الإسلامية، ومؤسسة سياسية حريصة على إضعاف وتهميش المؤسسة الدينية فلا دور لها عند التحقيق في إدارة شئون الدنيا، فليس لها إلا إقامة الشعائر التعبدية على تقصير في ذلك فضلا عن المشاركة في الموالد!!!.
يقول الدكتور، محمد بن يسري، حفظه الله وسدده، في بيان التيار البروتستنتي المتطرف الذي يقود معركة الغرب ضد الإسلام في العصر الحاضر:
"إن مما حفز هنتنجتون وهو من أتباع المدرسة الوضعية المنطقية لأن يكتب صراع الحضارات، ما يشهده من هذا التحسن الطارئ على صورة الإسلام، وأنه لا يمكن أن يوقف هذا المد سوى توجه ديني أصولي بروتستنتي إنجيلي متطرف، فكتب: (صراع الحضارات) ثم لم يلبث أن انحاز عن أطروحة صراع الحضارات إلى أطروحة أضيق هي (صراع الأديان)، وها هو يستثمر توجهات اليمين الأمريكي وطاقاته لصالح دعوته الصراعية". اهـ
"التطاول الغربي على الثوابت الإسلامية"، ص36.
فلم يجد هنتنجتون إلا الصليب ليجيش به أمريكا العلمانية ضد الصحوة الإسلامية المعاصرة، ومع ذلك تصر حكومات المنطقة على ممارسة لعبة المصالح والتوازنات وليتها تجيد ذلك، فهي أغبى من أن تواجه المكر الغربي بإمكانياتها السياسية والعسكرية المتواضعة.
وتطرق الدكتور محمد بن يسري، حفظه الله وسدده، في ثنايا رسالته إلى صورة الإسلام في المناهج التعليمية في بلاد الغرب. وهي صورة تستمد مادتها العلمية من الدراسات الاستشراقية للإسلام، فلم يكلف القوم أنفسهم، مع ادعائهم الموضوعية والتحقيق، التعرف على الإسلام من مصادره الأصلية، وإنما اكتقوا بدراسات غلب عليها التعصب الأعمى، فهي علمية الظاهر، صليبية الباطن، إذ قام بها جيش من القساوسة المتعصبين، يفتقرون إلى حيادية البحث العلمي المزعومة، لا علم لهم بلسان العرب، ولا دراية لهم بعلوم الإسلام دراية ورواية، فليس ثم إلا شبهات استخرجوها بالمناقيش من بطون الكتب، وكثير من دراساتهم ما هو إلا تقرير لشبهات الفرق الضالة التي عكف القوم على كتبهم تحقيقا وإخراجا، مع بتر للنصوص، ونقص، بل عدم في استقراء موارد الألفاظ والأدلة، فالإسلام هو ضلالات الخوارج وغلو الرافضة وعقليات المعتزلة وشطحات الحلاج واتحاديات ابن عربي وابن الفارض، وأشعار جلال الدين الرومي.
والعقل الجمعي الأوروبي قد أصابه من الفساد ما أصابه، فقد تكرس في العقلية الأوروبية صورة عجيبة للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، حتى قال أحد المستشرقين إن شخصية النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم غير موجودة أصلا، فهي من نسج خيال المسلمين، وقال بعضهم بأنه كان كاردينالا كاثوليكيا اختلف مع البابا، فأنشأ طريقة جديدة!!!، على وزان: "شنودة _ مكسيموس"!!! وما ظنك بمن تشكل الميديا الإعلامية اليهودية فكره، والإسلام دين العجائب أما نصرانية بولس المثلثة التي صلب فيها الإله فداء للنوع الإنساني واستخلاصا لأفراده من سجن إبليس هي دين المنقول الصحيح والمعقول الصريح!!!.
وقصة بحيرى الراهب المرتد الذي علم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أصول ملة الإسلام، وهي الفرية التي افتراها "يوحنا الدمشقي"، وقصة ورقة، رحمه الله، القس النصراني الذي علم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم القرآن، كما زعم البريطاني "جون مانفيلد" في سيناريو مضحك، كل ذلك من الأبجديات المحفوظة في قاموس أي نصراني سواء أكان من خواصهم أم من عوامهم، فهي تردد في بغبغائية تدل على سطحية قائلها وضحالة مادته العلمية التاريخية، فلم يحسن من وضعها حتى الكذب لتروج شبهته!!!.
والخبيث "دانتي"صاحب "الكوميديا الإلهية" يضع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومعه علي، رضي الله عنه، في الخندق التاسع من الحلقة الثامنة في الكوميديا الإلهية كما أسماها، وهذا الجزء من الجحيم كما يدعي دانتي قد تم تخصيصه لمثيري الصدامات والانشقاقات الدينية والسياسية، ومن يزرعون الفتن فيحصدون الأوزار!!!!.
"التطاول الغربي على الثوابت الإسلامية"، ص42، 43.
و: "فولتير" عدو الأديان وأحد رواد العلمانية المعاصرة يقول:
"إنني أصور محمدا متعصبا، عنيفا ومحتالا ........... وعارا على الجنس البشري الذي حول التاجر ليصبح نبيا، مشرعا، ملكا ........... محمد إنه يجسد خطر التعصب"!!!!.
نقلا عن: "التطاول الغربي على الثوابت الإسلامية"، ص44، 45.
فأي جهل وتعصب يفوق ذلك من رجل يدعي الموضوعية فيتخذها ستارا يهدم الأديان من ورائه.
وهو الأمر الذي دعا مواطمه "نابليون" إلى أن يقول عنه: "إنه هنا قد تخلى عن التاريخ والقلب الإنساني". اهـ
فكلامه يدل على أنه لا يعرف شيئا عن تاريخ المسلمين أصلا، ومع ذلك يتصدى لمهاجمة وسب نبيهم صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وهكذا فلتكن الموضوعية!!!!.
ولا تزال لوحات كنسية تنتشر في "بلجيكا" و "إيطاليا" وغيرها تعرض صورا مزعومة للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يعذب في النار!!!.
نقلا عن: "التطاول الغربي على الثوابت الإسلامية"، ص45.
فهذه هي مصادر القوم التي تشكل تصورهم عن دين الإسلام!!!، ومن أنصف منهم فاطلع على الإسلام من مصادره الأصلية فأغلب الظن أنه سينضم إلى ركابه، وتلك جنايتنا إذ قصرنا في التزام أحكامه فضلا عن إبلاغها، فصرنا بسوء حالنا فتنة لغيرنا.
والله أعلى وأعلم.
¥