جماعيا، فالقس: سيد الآخرة الذي أنابه المسيح عليه السلام عنه ليغفر الذنوب ويهب صكوك الغفران لمن يسمع ويطيع، والنبيل: سيد الدنيا الذي يملك الأرض ومن عليها من الفلاحين، وبين الرقين: تعرض النوع الإنساني في أوروبا إلى أبلغ صور الإهانة، ولعل تاريخ الرق في أوروبا من لدن الرومان إلى عصر ما قبل الثورة العلمانية على الكنيسة خير شاهد على ذلك.
يقول صاحب رسالة العلمانية، حفظه الله وسدده وأتم شفاءه، في معرض نقد عقيدة العشاء الرباني التي يتحول فيها الخبز والخمر إلى لحم ودم المسيح عليه السلام!!!، وهي من العقائد التي استنكرتها الحركة الإصلاحية وسخر منها رواد العلمانية الأوائل من أمثال "فولتير":
"إن الكنيسة استغلت بلاهة وسذاجة أتباعها ففرضت عليهم مثل هذه العقائد الغريبة لكن الفطرة البشرية لا بد أن تستيقظ مهما طالت غفلتها، وذلك ما تم بالفعل فقد أدى إسراف الكنيسة في الاستخفاف بعقول البشر ومعاندة الفطر الإنسانية إلى تلك الثورة العارمة ضد الكنيسة التي ابتدأت منذ اتصال أوروبة بنور الإسلام وانتهت بانهيار الكنيسة وفقدانها معظم نفوذها وهيمنتها في القرن الماضي.
وقد كانت مسألة الاستحالة من الثغرات التي فتحت على الكنيسة ولم تستطع لها سداً بما سببت من انشقاقات دينية ونقد مرير من المؤرخين والمفكرين، وكان من أوائل المنكرين لها: "ويكلف" المصلح الكنسي؛ ثم تبنت ذلك حركة البروتستانت التي تزعمها (مارتن لوثر) وظهر بعد ذلك النقاد العقليون فسخروا من هذا الطقس أعظم سخرية وكان من روادهم الفيلسوف الفرنسي (فولتير) ". اهـ
بتصرف يسير من: العلمانية، ص99، 100
ولك أن تتخيل سمو العقل الإسلامي آنذاك، وقد ترفع عن تلك العقائد الوثنية من مئات السنين، فتزكى بنور الوحي المعصوم، لك أن تتخيل ذلك في مقابل دنو العقل الأوروبي الذي صدق مثل تلك الأساطير المنافية لكل نقل وعقل، وهو العقل الذي يسخر منا أحفاده المعاصرون، ويتهموننا بالتخلف والرجعية!!!!، وقد تحررنا من أغلال الوثنية التي ما زالوا يرسفون فيها، وإن بلغوا من التقدم التكنولوجي ما بلغوا فلا زال تصورهم في الإلهيات فاسدا، وإن وقعت لهم طفرة ظاهرة في الطبيعيات لا ينكر المنصف منهم، أيضا، أنها نتاج الاحتكاك بالعقل المسلم الذي ساد الدنيا آنذاك بإسلامه الذي صح به تصوره في كل مناحي الحياة سواء أكانت في عالم الغيب من الإلهيات أم في عالم الشهادة من الطبيعيات، لقد حرر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بما أوتي من الوحي عقول العرب، فلم يتحرروا تحرر البروتستانت الذي هو في حقيقته انفلات من قيد قاهر متسلط، وإنما حررهم صلى الله عليه وعلى آله وسلم من رق العباد إلى رق رب العباد، وإذا صحت اللبنة الأولى من لبنات العقل البشري: لبنة التوحيد، صار البنيان ذا أساس تقوم عليه حضارة دينية ومدنية دنيوية، بخلاف ما لو كان الدين محرفا، فإنه يهدم الحضارة، بل ويسطو على المدنية وينصب لروادها المشانق، فتكون النتيجة: ثورة في الاتجاه المعاكس: اتجاه العلمانية اللادينية المعاصرة.
ومن أمثلة ذلك التأثير الإيجابي أيضا:
ما قررته الحركة الإصلاحية من تحريم تقديس التماثيل والصور، فهي نتاج التأثر بتعاليم الإسلام الذي يحرم ذلك سدا لذريعة الشرك، فقد كان تقديس الصور ذريعة أول شرك وقع في الأرض، لما أوحى الشيطان إلى قوم نوح أن اتخذوا لصالحيكم صورا تعتبرون بها، فصارت بعد ذلك أصناما يتزلف بعبادتها إلى الله، عز وجل، فيتزلف العباد إلى ربهم بارتكاب أعظم ما نهى عنه!!!.
يقول صاحب رسالة العلمانية:
"شمل اقتباس النصرانية من الديانات و الوثنيات المجاورة كل أمور العقيدة والشريعة والشعائر كما شمل الذوق والإحساس والمظاهر العامة. فلم يكن شيء من عقائدها وطقوسها إلا وعليه بصمات وثنية واضحة يتجلى ذلك في التماثيل والصور التي لا يخلو منها دير أو كنيسة رغم أن شريعة التوراة تحرم التصوير ونحت التماثيل وتعده من أعمال الوثنيين (سفر التثنية).
ونشأت عبادة الصور والتماثيل كأية بدعة أخرى – محدودة النطاق، ثم نمت تدريجياً وانتشرت في أرجاء واسعة لكنها لم تدخل في صلب الديانة المسيحية بصفة رسمية إلا في مجمع نيقية
يقول: "ول ديورانت"، صاحب "قصة الحضارة":
¥