تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

"وظهر للوقت معلم آخر عظيم يعده كثير من النقاد العصريين المؤسس الحقيقي للمسيحية، (وكأن النصرانية مذهب أرضي كالشيوعية أو الرأسمالية وما ذاك إلا لما دخلها من أقوال أرضية صيرتها أشبه بالمذاهب الأرضية)، وهو شاؤل الطرسوسي، أو بولس، والراجح أنه كان يهودي المولد وإن كان بعض الكتاب ينكرون ذلك! ولا مراء في أنه تعلم على أساتذة من اليهود، بيد أنه كان متبحراً في لاهوتيات الإسكندرية الهلينية … وهو متأثر بطرائق التعبير الفلسفي للمدارس الهيلنستية، وبأساليب الرواقيين بيسوع الناصري بزمن طويل .. ومن الراجح جداً أنه تأثر بالمثرائية، إذ هو يستعمل عبارات عجيبة الشبه بالعبارات المترائية، ويتضح لكل من يقرأ رسائله المتنوعة جنباً إلى جنب مع الأناجيل أن ذهنه كان مشبعاً بفكرة لا تبدو قط بارزة قوية فيما نقل عن يسوع من أقوال وتعليم، ألا وهي فكرة الشخص الضحية الذي يقدم قرباناً لله كفارة عن الخطيئة. فما بشر به يسوع كان ميلاداً جديداً للروح الإنسانية أما ما علمه بولس فهو الديانة القديمة، ديانة الكاهن والمذبح وسفك الدماء طلباً لاسترضاء الإله". اهـ

نقلا عن: "العلمانية"، ص37، 38.

ويقول الأستاذ ناصر الدين دينيه مقالة صدق في بيان الفارق الجذري بين الإسلام وبقية الملل عامة، والنصرانية خاصة:

"الدين الإسلامي هو الدين الوحيد الذي لم يتخذ فيه الإله شكلاً بشريا أو ما إلى ذلك من الأشكال أما في المسيحية فإن لفظ الله تحوطها تلك الصورة الآدمية لرجل شيخ طاعن في السن، (وهو: الأب)، قد بانت عليه جميع دلائل الكبر والشيخوخة والانحلال فمن تجاعيد الوجه غائرة إلى لحية بيضاء مرسلة مهملة تثير في النفس ذكرى الموت والفناء، ونسمع القوم يصيحون (ليحي الله) فلا نرى للغرابة محلاً ولا نعجب لصيحاتهم وهم ينظرون إلى رمز الأبدية الدائمة وقد تمثل أمامهم شيخاً هرماً قد بلغ أرذل العمر فكيف لا يخشون عليه من الهلاك والفناء وكيف لا يطلبون له الحياة؟ كذلك (ياهو) الذي يمثل به طهارة التوحيد اليهودي فهم يجعلونه في مثل تلك المظاهر المتهالكة تراه في متحف الفاتيكان ونسخ الإنجيل القديمة المصورة". اهـ

هذا، والكلام لصاحب رسالة "العلمانية" حفظه الله وسدده وأتم شفاءه، وليس تصوير الإله انحرافا في نظر الكنيسة فإن أحد علمائها يقرر: "أنه لا يمكننا أن نفهم الله إلا عن طريق تصوره بالصور البشرية". اهـ

"العلمانية"، ص104.

فقد حفظ الإسلام للربوبية مقامها، فلا تجد دينا أفاض في وصف الرب، جل وعلا، بالكمالات المطلقة التي أثبتها لنفسه وأثبتها له رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، كدين الإسلام، فنصوص الأسماء الحسنى والصفات العلى قد تواترت تواترا قطع كل احتمال وأزال كل إجمال، فحصل منها من غذاء العقول والقلوب: غذاء نافع، فهي تخاطب العقل الذي يصف الرب بالكمال وينزهه عن النقص بداهة إذ لا يكون التأله إلا لكامل في ذاته، كامل في أسمائه، كامل في صفاته، كامل في أفعاله، فالنفس تأنف من الخضوع لمن يساويها، فكيف إذا كان الخضوع لمن صرعه عبد من عباده، كما افترت يهود، أو صلبه عدوه كما افترى بولس وصدقه على ذلك أقوام غيبوا العقل بحجة موافقة الشرع، فـ: "الإيمان فوق المناقشة"!!!، ولو كان إيمانا بمحال لا يتصوره العقل أصلا فضلا عن أن يجوز وقوعه فضلا عن أن يوجبه، وهل يوجب العقل الصريح نقصان الرب، جل وعلا، وهل تأتي الشرائع بما يناقض صرائح العقول؟!!!.

وهي في نفس الوقت تخاطب القلب، فيحصل فيه من الرغبة فرعا على صفات الجمال الربانية ما يحصل، فهو الغني الذي يطمع كلٌ في عطائه، وهو الرحمن قد عمت رحمته كل كائن، وهو الحليم فلا ييأس العاصي من روحه، وهو الودود يقبل على عبده إذا أناب، وهو الغفور: يغفر الذنب ويستر العيب ......... إلخ، ويحصل فيه من الرهبة فرعا على صفات الجلال الربانية ما يحصل، فهو الجبار يقصم أعدائه، وهو العزيز لا ينال جنابه، وهو الصبور يملي لأهل الطغيان ممن سبق في علمه منهم عدم الإيمان، ثم يأخذهم أخذ عزيز مقتدر ذي كيد متين وبطش شديد .......... إلخ، فلن يجد العاقل مقالة في الإلهيات أكمل من مقالة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وإنما شفاء العي السؤال، أفلا سأل الغرب

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير