"وعرفت أوروبا الطريق إلى النهضة بفضل مراكز الحضارة الإسلامية في الأندلس وصقلية وجنوب إيطالية التي كانت تشع نور العلم والمعرفة على القارة المستغرقة في دياجير الخرافة والجهل، فاستيقظ العقل الأوروبي من سباته وأخذ يقتبس عن المسلمين طرائق البحث ومناهج التفكير التي تجعله يكد ويعمل في مجال اختصاصه دون وصاية ضاغطة.
وثارت ثائرة رجال الكنيسة على الذين يتلقون علوم الكفار: (المسلمين)، ويعرضون عن التعاليم المقدسة فأعلنت حالة الطوارئ ضدهم وشكلت محاكم التفتيش في كل مكان تتصيدهم وتذيقهم صنوف النكال. وأصدرت منشورات بابوية جديدة تؤكد العقائد السابقة وتلعن وتحرم مخالفيها، وبذلك قامت المعركة على قدم وساق وأخذت تزداد سعاراً بمرور الأيام". اهـ
"العلمانية"، ص149.
وذلك مئنة من تعصب الكنيسة التي تدعى في، برودة دم، تثير الغيظ أنها: راعية السلام ورسول المحبة بين أفراد النوع الإنساني، وقد رأينا محبتها وهي تسوم المخالف سوء العذاب لمجرد استعمال عقله في نقد النص المحرف.
فهي التي حرمت كتاب "كوبرنيق": "حركات الأجرام السماوية" ومنعت تداوله لأنه تعرض لنظرية الكنيسة التي اعتنقت نظرية بطليموس في كون الأرض هي مركز الكون وما عداها من الأجرام يدور حولها، وهي نظرية أرضية غير معصومة يجوز عليها ما يجوز على أقوال البشر من الخطأ فعلام الغلو في اعتناق أقوال الرجال؟!!!، وكان مستندها في ذلك:
"إن الأرض يجب أن تكون مركز الكون الثابت لأن الأقنوم الثاني – المسيح – تجسد فيها، وعليها تمت عملية الخلاص والفداء، وفوقها يتناول العشاء الرباني، (الذي يتحول فيه الخبز والخمر إلى لحم ودم المسيح عليه السلام!!!)، كما أن التوراة تقول: "الأرض قائمة إلى الأبد والشمس تشرق والشمس تغرب وتسرع إلى موضعها حيث تشرق".
أما كروية الأرض وسكنى جانبها الآخر فنفتها الكنيسة بحجة أن: (من خطل الرأي أن يعتقد الإنسان بوجود أناس تعلو مواطئ أقدامهم على رؤوسهم وبوجود نباتات وأشجار تنمو ضاربة إلى أسفل، وقالت أنه لو صح هذا الزعم لوجب أن يمضي المسيح إلى سكان الوجه الآخر من الأرض ويموت مصلوباً هناك من أجل خلاصهم!!!) ". اهـ
بتصرف من: "العلمانية"، ص150_152.
وهي أدلة تتراوح بين:
نقل غير صحيح، إذ لا ثقة في التوراة لانقطاع أسانيدها.
وعقل متهافت يتعاطى الخرافة تعاطي المسلمات اليقينية، لدرجة تثير السخرية، وهي تذكر بمقالة بعض المعاصرين ممن تأول علو الله، عز وجل، واستواءه، بنفس الحجة الغريبة: حجة كروية الأرض فمن على الطرف المقابل إذا رفع يده إلى السماء فإنما يرفعها إلى الجانب الآخر من الأرض لا إلى السماء!!!.
وهي التي حرقت: "جردانو برونو" الذي بعث نظرية: "كوبرنيق" بعد سجنه ست سنوات، وبعد موته ببضع سنوات كان "جاليلو" قد توصل إلى صنع المرقب "التلسكوب" فأيد تجريبياً ما نادى به أسلافه نظرياً، (فصار مناط الأمر في الطبيعيات: التجربة ذات النتائج المحسوسة، فجعلها مسلمة كمسلمة الوحي تحجير لواسع وضع الكنيسة بعد ذلك في مواقف محرجة نالت من قدسيتها ومصداقيتها أمام شعوب أوروبا المقهورة بسلطانها الجائر)، فكان ذلك مبرراً للقبض عليه ومحاكمته و: (قضى عليه سبعة من الكرادلة بالسجن مدة من الزمان وأمر بتلاوة مزامير الندم السبعة مرة كل أسبوع طوال ثلاث سنوات)، ولما خشي على حياته أن تنتهي بالطريق التي انتهى بها برونو أعلن ارتداده عن رأيه وهو راكع على قدميه أمام رئيس المحكمة قائلاً:
"أنا جاليلو وقد بلغت السبعين من عمري سجين راكع أمام فخامتك، والكتاب المقدس أمامي ألمسه بيدي، أرفض وألعن وأحتقر القول الإلحادي الخاطئ بدوران الأرض"، وتعهد مع هذا بتبليغ المحكمة عن كل ملحد يوسوس له الشيطان بتأييد هذا الزعم المضلل!!!!.
انظر: "العلمانية"، ص150، 151.
وهكذا فلتكن حرية البحث العلمي!!!!.
¥