تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وهي الدعوة التي نرى اليوم أثرها في أوساط العلمانيين الداعين إلى "حرية الكفر" تحت ستار: "حرية الفكر" فلتعتنق ما شئت من المذاهب الإلحادية الهدامة فتلك ثقافة إنسانية بحتة لا علاقة لها بالدين الذي دخل المتحف من عشرات السنين فصار طقوسا تؤدى من باب التحلي!!!. وقد تأثرت بعض المؤسسات الدينية بضغط الواقع، فراحت تسوغ من طرف خفي حرية الردة طالما لم يثر المرتد الشغب، فارتد في حاله!!!، كما يقال عندنا في مصر، وما أسعد الملحدين والمنصرين بتلك التلميحات التي أعطى أصحابها الدنية في دينهم.

ثم جاءت نظرية "نيوتن" التي وجد فيها العقل الأوروبي الملحد فرصة مواتية لنزع سلطان القوة الإلهية القاهرة، بعزو المسبَبات إلى أسبابها دون نظر إلى خالق الأسباب، الذي أودع فيها قوة التأثير فلا ينتج المسبَب إلا بالإذن الرباني الكوني النافذ، فذلك من متعلقات الربوبية القاهرة، ربوبية التكوين، فمن غلو، كغلو المتكلمين الإسلاميين، في تجريد الأسباب من قواها المؤثرة، فالسكين لا تقطع بقوة أودعها الله، عز وجل، فيها، وإنما يحدث القطع عندها فهي أمارة على وقوع الفعل لا سبب فيه، إلى غلو آخر بنسبة الفعل برمته: تأثيرا ونتيجة إلى السبب المخلوق دون نظر إلى إرادة الخالق، عز وجل، فالتفاحة قد سقطت على نيوتن، لأن الجاذبية قد أثرت فيها استقلالا، والكنيسة تقول: بل العناية الإلهية هي التي أسقطتها ولا دخل للجاذبية في ذلك، في مناقضة صريحة للحس والعقل، والحق وسط بين التفريط بإهمال العقل والإفراط بتقديسه، فقد سقطت تلك التفاحة على نيوتن لأن الله، عز وجل، أراد سقوطها كونا، فأذن للسبب الكوني المؤثر أن يعمل، ولولا الإذن الكوني النافذ لتعطلت قوى السبب، كما تعطلت قوى النار فكانت بردا وسلاما على الخليل، وكما تعطلت قوى السكين فلم تقطع عنق الذبيح.

وجاء القرن الثامن عشر الميلادي، وقد ظهرت نتائج تلك الحملات العقلية المزلزلة لأركان الكنيسة، فظهر الغازي: "فولتير"، إن صح التعبير، الذي كان أعدى أعداء الكنيسة، فطور الهجوم إلى مرحلة السخرية من النص الكنسي المقدس، وطالب صراحة بفصل الدين عن الدولة، فإن الإنسان لن يخضع إلا لقوانين الدولة المدنية، التي يروج لها العلمانيون في العصر الحاضر وكأن دولة الإسلام صورة من دولة الكنيسة!!!، فلا يمكن أن يخضع الإنسان في عصر "التنوير" للقوانين الكنسية التي تحكم باسم الله!!، وصدق فولتير في نقده للكنيسة وكذب في نقده للإلهيات، إذ لم ير إلا إلهيات قد طالتها يد التحريف والتبديل، ولو رأى إلهيات معصومة لم تعبث بها أيدي البشر ما وجد هو ولا غيره من طليعة الإلحاد المعاصر حاجة إلى نقد الكنيسة إن أحسنا الظن بهم، أو ثغرة إن أسأنا الظن بهم، وهم بسوء الظن أجدر.

يقول صاحب رسالة "العلمانية":

"وربما كان أعدي أعداء الكنيسة آنذاك هو "فولتير" ولنقتطف نماذج من نقده للدين ورجاله من كتابة (القاموس الفلسفي):

"أول ما انتقد فولتير العقيدة المسيحية في التثليث وتجسيم الإله والصور المقدسة وأنحى باللائمة على بولس الذي طمس المسيحية وحرفها، ولذلك كان الإيمان بالمسيحية في نظره هو: "الاعتقاد بأشياء مستحيلة أو بأشياء تستعصي على الفهم فالحية تتكلم والحمار يتحدث وحوائط أريحا تتساقط بعد سماعها صوت الأبواق، إن الإيمان على هذا النحو هو على ما يقول أرازم هو الجنون". اهـ

(وقد أصاب في نقد تلك النظرية اللاهوتية المحالة التي تناقض أبسط القواعد العقلية والمسلمات الرياضية!!).

"أما الخطيئة الأولى، والكلام لصاحب رسالة: "العلمانية"، فيرفضها "فولتير" ويعتبرها إهانة لله واتهاماً له بالبربرية والتناقض وذلك للتجرؤ على القول بأنه خلق الأجيال البشرية وعذبها لأن أباهم الأول قد أكل فاكهة من حديقته". اهـ

"وصدق فولتير في هذه، أيضا، بل وافق قوله قول الله، عز وجل، في الكتاب العزيز: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) ".

وينقد فولتير، والكلام لصاحب رسالة: "العلمانية"، الطقوس السبعة نقدا مريرا ويسخر من الكتاب المقدس سخرية لاذعة تتجلى في قوله تعليقا علي معلومات التوراة الجغرافية:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير