(من الواضح أن الله لم يكن قويا في الجغرافيا)، (وهي إساءة أدب مع الباري، عز وجل، التزمها بسبب الأخطاء العلمية الجسيمة في التوراة والإنجيل المحرفين، وذلك مئنة من وقوع التحريف حتما في نصوصهما و: "وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا")، وقوله إن صيام المسيحية "دواء للفقراء لا يتعاطاه الأغنياء". (ومن تلك المقالة خرجت مقالة الماركسية التي وصمت الأديان بأنها: "أفيون الشعوب" فبها يضحك الأغنياء على الفقراء، فيلجئونهم إلى الصبر على شظف العيش نظير الملكوت الوهمي، وليس ثم إلا هذه الدنيا التي استأثر بها الأغنياء، ولذلك اعتمدت الثورة البلشفية سياسة: "الحقد الطبقي" إن صح التعبير، فـ: "الحقد هو وسيلتنا إلى قلب الأنظمة" كما كان "تروتسكي" يقول، ويوما ما خرج الزعيم الملهم عندنا في مصر، وكان سوفييتي الهوى، خرج ليقول: "هم الفقرا مالهومش إلآ الآخرة ما ينفعش ياخدوا حاجة من الدنيا"، أو كلمة نحوها، لأنه اعتمد نفس السياسة في استمالة الطبقات الكادحة من الشعب المصري التي هللت للعهد الجديد: عهد: "ارفع رأسك يا أخي لقد مضى عهد الاستبداد" فلما رفعوا رؤوسهم انهالت عليهم الضربات في عهده الميمون من كل حدب وصوب، فأثار بتلك السياسة حفيظة الفقراء على أصحاب رؤوس الأموال، وسلب الأغنياء ممتلكاتهم وفتتها ليوزعها لقيمات يشتري بها ولاء المصريين في سياسة نفعية عاجلة لا تنظر إلى المستقبل بعين الاعتبار).
ويري، (أي: "فولتير" والكلام لصاحب رسالة "العلمانية"): "أن الطقوس والشعائر والعبادات والاحتفالات الدينية جرائم محلية يعاقب عليها كل من يزاولها لأنها ضارة بالمجتمع خاصة إذا تمت في صورة أضاح وقرابين". اهـ
(فهي أشبه بالموالد التي تنتشر في العلم الإسلامي اليوم وتحرص القيادات السياسية على دعمها ماديا ومعنويا لتخدير الشعوب باسم الدين).
أما آراؤه السياسية فقد عبر عنها بقوله:
"إن التوحيد بين الدين والدولة لهو أبشع نظام لذلك يجب إلغاؤه وإقامة نظام آخر يخضع فيه رجال الدين لنظم الدولة ويخضع فيها الراهب للقاضي". اهـ
(وقد كان ذلك في عهد الثورة الفرنسية ثم انتقل إلى العالم الإسلامي كما هو مشاهد في العصر الحاضر، فرجل الدين، كما تقدم، موظف لدى الحاكم، ومرة أخرى: لم ير "فولتير" إلا نموذجا منحرفا لرجل الدين الإقطاعي الجشع الذي يستولي على ممتلكات الآخرين باسم الدين فنقله ذلك الغلو إلى غلو آخر باستبعاد الدين نهائيا من الحياة العامة).
وقوله:
"إنه لا يمكن طاعة البشر باسم طاعة الله لا بد من طاعة البشر باسم قوانين الدولة". اهـ
ولقد جزعت الكنيسة من هذه الانتقادات والآراء جزعا شديدا ولعنت فولتير وأشياعه وكفرتهم وحرمت قراءة كتبهم وتعرض فولتير للمضايقة والاضطهاد من قبل رجال اللاهوت، حتى انه قال مخاطبا إنسان ذلك العصر: (أنت طائر في قفص محاكم التفتيش لقد قصت محاكم التفتيش جناحيك) ". اهـ
بتصرف من: "العلمانية"، ص161، 162.
ولم تكن الكنيسة تملك من البراهين النقلية والعقلية ما تدحض به هذه الانتقادات اللاذعة، فلم يكن لديها، كالعادة، إلا القوة الغاشمة، وهو ما زاد أعداءها عنادا وإصرارا على القضاء عليها.
وكان من رواد هذا الاتجاه: "جان جاك روسو" رائد مدرسة الفكر اللاديني ذي الطابع الاجتماعي والسياسي صاحب كتاب: "العقد الاجتماعي": "إنجيل الثورة الفرنسية"!!!
والعقد الاجتماعي نظرية نفعية لا هم لها إلا تحصيل اللذة العاجلة، فما اصطلحت عليه الجماعة من الأنماط الحياتية، ولو كانت شاذة تنافي الدين بل والفطرة، فهو قانون ملزم، وما اصطلحت على رده فهو غير ملزم وإن كان وحيا سماويا، فالإله الحاكم هو: "الهوى"، كما في قوله تعالى: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ). قال البغوي، رحمه الله، في تفسيره: "قال ابن عباس والحسن وقتادة: ذلك الكافر اتخذ دينه ما يهواه، فلا يهوى شيئًا إلا ركبه لأنه لا يؤمن بالله ولا يخافه، ولا يحرم ما حرم الله". اهـ
¥