تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ويوم تم القبض على مجموعة من الشواذ جنسيا في مصر من أبناء الطبقة الراقية كانوا يمارسون الفاحشة في باخرة نيلية تحت سمع وبصر مالكتها في سنة 2002م، إن لم تخني الذاكرة، ثار الرأي العام المسلم في مصر، وتم تحويل القضية إلى محكمة أمن الدولة، لأنها قضية تمس السلم الاجتماعي في دولة مسلمة لها وزنها كمصر، ثم تدخلت فرنسا زعيمة الحريات المدنية لتضغط على مصر فتم تحويل القضية إلى محكمة مدنية، وخرج أحد الشبان المصريين، كما حكى لي أحد الأصدقاء، على شاشة التلفاز لينطق بفحوى نظرية "روسو"، فقال مستنكرا: "والله أنا شايف إن دي حرية شخصية!!! "، فطالما تعارف أولئك على استحسان الفاحشة، فما المانع من ممارستها طالما لم يكرهوا أحدا على ذلك؟!!، وتلك مئنة من تغلغل تلك النظريات الهدامة في المجتمعات الإسلامية المعاصرة، وإن لم تعرف بمسمياتها تحديدا.

يقول صاحب رسالة "العلمانية":

"والغرض من فكرة العقد الاجتماعي واضح للعيان فهي تهدف إلى استبدال "المصلحة الاجتماعية" أو "الرابطة النفعية للأفراد" بالأخلاق والنظم الدينية وتحل عبادة "المجتمع" ممثلاً في الوطن أو القوم محل عبادة الله، وذلك ما نادت به الثورة حرفياً. (والاتجاهات الوطنية المعاصرة ذات الأفق الضيق خير شاهد على ذلك).

وتجدر الإشارة إلى أن هذه الفكرة ليست من بنات أفكار روسو فقد سبقه إليها الفلاسفة المثاليون في المدن الفاضلة ففي "جمهورية أفلاطون" و: "اليوتوبيا" لتوماس مور، و "مدينة الشمس" لكامبانيلا، نماذج واضحة للحياة اللادينية التي تقوم على أساس من التفاهم والوفاق المجرد بين الأفراد وهو ماعبر عنه روسو بالعقد الاجتماعي". اهـ

بتصرف من: "العلمانية"، ص170.

وتمخض الصراع عن مذهبين هيمنا على الحياة العقلية الأوروبية آنذاك:

مذهب المؤلهة الربوبيين: الذين جعلوا الإلهيات طقوسا متحفية في الكنائس لا تأثير لها في الحياة، فهي مبان ظاهرة بلا معان باطنة، وهذا النمط هو الذي ساد كثيرا من بلاد العالم الإسلامي بعد انهيار الخلافة الإسلامية تحت وطأة ضربات الثورة الأتاتوركية العلمانية المتطرفة.

ومذهب إلحادي صريح أعلنها صراحة بلا مجاملة، فنفى وجود الرب، عز وجل، ولعل الثورة البلشفية التي اعتمدت مقالة ماركس الإلحادية كانت إحدى الثمار المتأخرة لذلك المذهب.

انظر: "العلمانية"، ص163، 164.

وبعد اكتمال المشهد الفكري النظري للعلمانية جاء دور العمل التطبيقي على أرض الواقع: فدقت ساعة العمل الثوري كما كان أحد ماسحي الخوج يقول عندنا في مصر في منتصف القرن الماضي، وكانت ساعة الصفر سنة: 1789م، وكان المكان: فرنسا، التي شهدت ميلاد أول جمهورية علمانية في بلد كان ولا زال من معاقل الكاثوليكية العريقة في أوروبا، وذلك مئنة من عظم النصر الذي حققته العلمانية على الكنيسة إذ قوضت أركانها على أرضها وبين جماهيرها، وكان شعار المرحلة: اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قس!!، في إشارة صريحة إلى التواطؤ الذي وقع بين السلطة الدينية والسلطة الدنيوية على اقتسام الأرض بمن عليها!!.

يقول "توماس جفرسن" في معرض نقد رجل الدين الكهنوتي المتسلط والحاكم المستبد:

"إن القسيس في كل بلد وفي كل عصر من أعداء الحرية، وهو دائماً حليف الحاكم المستبد يعينه على سيئاته في نظير حمايته لسيئاته هو الآخر". وكان ذلك مدعاة لأن تصب الجماهير جام غضبها على الكنيسة وتصرخ خلف "ميرابو": (اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس). اهـ

"العلمانية"، ص172.

وظهرت الثلاثية اليهودية إن صح التعبير: "الحرية والإخاء والإخاء"، ووراء الأكمة ما وراءها.

يقول صاحب رسالة "العلمانية":

"عندما اندفعت الجموع الغوغائية لهدم الباستيل – رمز العبودية والاستبداد – لم تكن ترفع سوى شعار واحد هو "الخبز" والخبز وحده.

غير أنها لم تبدأ في قطف أولى نتائج ثورتها حتى وجدت نفسها تهتف بشعار "الحرية المساواة الإخاء"، وهو شعار لقنت إياه تلقيناً، وبرز أيضاً شعار آخر لم يكن الرعاع ليصنعوه هو: "لتسقط الرجعية" وهي كلمة ملتوية تعني الدين. (تماما كما كانت ثورة يوليو تنعت أي معارض، لا سيما أصحاب الفكر الإسلامي، بالرجعية وهي تهمة كفيلة بإقصاء صاحبها من المشهد السايسي وربما المشهد الإنساني!!!).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير