تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وأقرب بقعة في الأرض إلى السماء بيت المقدس، ويمنع الدجال من دخولها، ويهلك يأجوج ومأجوج دونها، وأوصى آدم عليه السلام أن يدفن بها، وكذلك إسحاق وإبراهيم، وحُمِل يعقوب من أرض مصر حتى دفن بها، وأوصى يوسف عليه السلام حين مات بأرض مصر أن يحمل إليها، وهاجر إبراهيم عليه السلام من "كوثى" إليها، وإليها المحشر، ومنها المنشر. وقد تاب الله على داوود عليه السلام بها، وصدق إبراهيم الرؤيا بها، وكلّم عيسى الناس في المهد بها، وتقاد الجنة يوم القيامة إليها، ومنها يتفرق الناس إلى الجنة أو إلى النار. وعن ابن عباس قال: البيت المقدس بنته الأنبياء وسكنته الأنبياء، ما فيه موضع شبر إلا وقد صلّى فيه نبي أو أقام فيه ملك [24].

يظهر لنا مما سبق أن بيت المقدس ليست بقعة عادية في الأرض، وإنما بقعة مقدسة، نالت تقديسها منذ قديم الزمان، ودلت الكثير من الكتابات التاريخية على ذلك، وهذا ما جعلها تحتل مكانة كبيرة، خاصة أن الكثير من الأنبياء والمرسلين والصالحين مروا بها وأقاموا فيها، والكثيرون سعوا إلى سكناها والرغبة في الدفن بها، فليست قداستها عائدة إلى وجود المسجد الأقصى بها فحسب، وهو من المساجد المقدسة لدى المسلمين، وإنما تشترك فيها سائر الديانات السماوية.

وقد حظيت المدينة المقدسة بإقامة العديد من الصحابة الكرام، وحرصوا هم أن يوصوا بأن يدفنوا في ثراها، ومنهم: عبادة بن الصامت، أبو ريحانة الأزدي، فيروز الديلمي، شداد بن أوس، مسعود الأنصاري، سلام بن قيس الحضري رضي الله عنهم جميعًا. كما مر بها عدد كبير من كبار الصحابة منهم: عمر بن الخطاب، أبو عبيدة بن الجراح، عمرو بن العاص، خالد بن الوليد، معاوية بن أبي سفيان، عبد الرحمن بن عوف، بلال بن أبي رباح، وأم المؤمنين صفية رضي الله عنهم جميعًا. وهؤلاء جميعًا حرصوا على نيل مثوبة الصلاة في الأقصى، والسير على أرضه الطيبة. وأيضًا حظيت بإقامة الكثير من العباد والزهاد والتابعين مثل: عمر بن عبد العزيز، مالك بن دينار [25].

أما فضل المسجد الأقصى فمنه ما جاء في صحيح السنة: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تشد الرحال إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا" [26]، وفي رواية لمسلم عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنما يسافر إلى ثلاثة مساجد: مسجد الكعبة، ومسجدي، ومسجد إيلياء" [27].

في رواية أبي سعيد الخدري وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا، ولا تسافر امرأة مسيرة يومين إلا مع زوجها أو ذي رحم محرم من أهلها" [28].

والمسجد الأقصى رابع أربعة أمكنة لا يسلط عليها المسيح الدجال: مسجد المدينة، ومسجد مكة، والأقصى، والطور [29].

بناة المدينة:

كما روي عن كعب أن جميع الأنبياء زاروا بيت المقدس تعظيمًا له، وروي عنه أيضًا أنه قال: "لا تسموا بيت المقدس إيلياء، ولكن سموه باسمه فإن إيلياء امرأة بَنَت المدينة" .. وعن أبي ذر قال: قلتُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أي مسجد وضع على وجه الأرض أولا؟ قال: المسجد الحرام. قلت: ثم أي: قال: البيت المقدس وبينهما أربعون سنة. وروي عن أبي بن كعب قال: أوحى الله تعالى إلى داود -عليه السلام– ابن لي بيتًا. قال: يا رب وأين من الأرض؟ قال: حيث ترى الملك شاهرًا سيفه، فرأى داود الملك واقفًا وبيده سيف، وتأكد الخبر في بعض كتب اليهود بأن داود وسليمان بنيا بيت المقدس، ثم أخربته الجبابرة بعد ذلك فاجتاز به شعيا، وقيل عزير عليهما السلام، فرآه خرابًا، فقال: أنى يحيي هذه الله بعد موتها، فأماته الله مئة عام ثم بعثه كما ذكر الله تعالى في القرآن الكريم، ثم بناه ملك من ملوك فارس يقال له كوشك [30] ذلك أن مدينة بيت المقدس تعرضت للتخريب من قبل "نبوخذ نصر"، وطرد بني إسرائيل مدة أربعمئة وأربع وخمسين سنة، وظل بيت المقدس خرابًا إلى أن بناها أحد ملوك الفرس عندما احتل المدينة ويدعى كوشك بن كوشك بن أخورش [31].

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير