تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الثابت مما سبق أن باني المدينة المقدسة هو داود وابنه سليمان عليهما السلام، أما إيلياء المذكورة، فربما تكون بنَت بعض أجزاء المدينة أو دورًا أو قصورًا فيها، فنسبت المدينة إليها في بعض المراجع التاريخية، كما نرى أن أحد ملوك الفرس "كوشك" قد بنى المدينة ثانية بعدما هدمها الجبابرة، وهذا دليل على تعاقب البناة عليها، فما يجري على سائر المدن يجري عليها من بناء وتجديد، وتخريب وهدم.

وقد قال أبو مالك القرظي في كتاب اليهود الذي لم يغير: إن الله تعالى خلق الأرض فنظر إليها، وقال: أنا واطئ على بقعتك، فشمخت الجبال وتواضعت الصخرة، يقصد صخرة بيت المقدس فشكر الله لها. وقال: هذا مقامي وموضع ميزاني وجنتي وناري ومحشر خلقي وأنا ديان يوم الدين [32].

يتفق الاستشهاد السابق من بعض كتب اليهود، مع ما الرؤية الإسلامية من أن المدينة المقدسة هي مكان المحشر، ومنها سيكون المنشر.

وقد حظيت المدينة بشرف لم تنله أي مدينة فتحها المسلمون، إذ لم يتسلمها القائد الفاتح أمين الأمة أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه، بل أرسل إلى الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يحضر بنفسه ليتسلمها، وحضر الخليفة وأعطى بنفسه للبطريرك صفر وينوس العهد العمري الشهير يوم الخميس 20 من ربيع الأول عام 15هـ، الموافق 2 من مايو آيار من عام 636م. وقد سلك عمر رضي الله عنه مسلكًا فريدًا، إذ ذهب إلى مقدسات اليهود المهدمة منذ قرون في المدينة، وقد جعلها الروم مجمعًا للقاذورات والقمامة، فبسط رداءه، وجعل يكنس الزبل والمسلمون معه يفعلون [33].

وجاء في العهد العمري لسكان المدينة:

"هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان: أعطاهم أمانًا لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم ولصلبانهم ومقيمها وبريها وسائر ملتها، أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينتقص منها ولا من أموالهم ولا يكرهون على دينهم ولا يضار أحد منهم ولا من صليبهم ولا من شيء من أموالهم ... " [34].

وشهد على العهد: خالد بن الوليد، معاوية بن أبي سفيان، عمرو بن العاص، عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم جميعًا وهم ثلة من كبار الصحابة القادة الفاتحين العظام.

وهذا الموقف من الخليفة الثاني لرسول الله صلى الله عليه وسلم دليل على أن الإسلام والمسلمين يحسنون معاملة غيرهم، فقد أمّن عمر النصارى في كنائسهم ومقدساتهم، وخاصة كنيسة القيامة، ثم أعاد المكانة لمقدسات اليهود، برغم طردهم منها، ويأتي هذا مصداقًا للآية الكريمة: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: 40].

تاريخ بيت المقدس وعلاقته ببناء الأقصى والهيكل:

كان أول من استقر ببيت المقدس هم الكنعانيون، وهم قبيلة عربية خرجت من الجزيرة العربية، وكان ذلك منذ أكثر من أربعة آلاف سنة قبل الميلاد، وقد حطت رحالها حول نبع غزير المياه، فوق أحد جبال القدس، وكان الموقع المختار جيدا، فالمنبع يقع على جبل عال، مما يوفر الحماية والأمن لساكنيه، حيث تصعب الإغارة عليه، وقد وجدت نصوص مصرية قديمة يعود تاريخها إلى ألفي سنة قبل الميلاد وهي نصوص "تل العمارنة" [35] التي وجدت في صعيد مصر، وورد فيها أن الكنعانيين وهم من العرب الذين هاجروا من جزيرة العرب واستوطنوا القدس، وقد نال الكنعانيين هذه التسميةُ نسبةً إلى أرض فلسطين، فلفظة "كنعان" تعني الأرض المنخفضة. وقد أنشأوا مدنًا عدة منها: عكا وغزة وأسدود، و"اليبوسيون الكنعانيون" أنشأوا مدينة القدس، وقد سميت على اسمهم "إيبوس"، ثم تغيرت إلى أورشاليم [36].

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير