تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والثابت تاريخيًّا: أن أسماء "صهيون"، "يروشالايم" أو "أورشاليم"، القدس، ليست أسماء عبرية أو يهودية، وإنما هي أسماء كنعانية عرفت بها المدينة قبل أن يدخلها الإسرائيليون [37]. كما أن اسم "أورشليم" له تأويلات عديدة تبتعد تمامًا عما يظنه البعض من أنها ذات جذور إسرائيلية، فالبعض ينسبه إلى الإله الوثني "شالم" الذي كان يعبده اليبوسيون وقتئذ [38]، والبعض الآخر يترجمه: "أور" بمعنى موضع أو مدينة، والثاني "شالم" أو "سالم" بمعنى السلام، وتكون ترجمتها مدينة السلام أو مدينة السلامة [39]. وإن كان هناك نفي لوجود إله قديم باسم "شالم" لدى الكنعانيين، أو وجود معبد يحمل هذا الاسم في القدس أو نواحيها، والراجح التسمية الثانية فقد كانت القدس محطة قوافل، فكأنها اكتسبت تسمية مدينة السلامة لكونها تقع في طريق القوافل، بوصفها محطة استراحة وأمان وتزويد بالمؤن [40].

وقد جاء بنو إسرائيل إلى فلسطين من شرق الأردن بقيادة ملكهم "طالوت"، وقُتِل طالوت في الحرب بينه وبين بني إسرائيل ثم تولى "داوود" عليه السلام المُلك، ونجح في توحيد الإسرائيليين مرة أخرى، وقضى على الخلافات والحروب بينهم، واستطاع هزيمة اليبوسيين الكنعانيين، ومن ثم تأسيس مملكة إسرائيل، واتخذ "أورشاليم" عاصمة لمملكته 1013 – 973 قبل الميلاد، وقد وسع ملكه وقهر الآراميين في دمشق، ثم تولى النبي سليمان بن داوود عليه السلام، الذي أسس هيكل سليمان، وبعد موت سليمان عام 935 قبل الميلاد، انقسمت المملكة على نفسها؛ فقامت يهوذا في القدس، ومملكة إسرائيل في السامرة، ونشبت الخلافات بين المملكتين [41].

وبالنظر إلى تاريخ القدس كما دلت الحفريات نجد أنها تكونت على تل "الظهور" أو تل "أوفل" المطل على قرية "سلوان" التي تقع إلى الجنوب الشرقي للحرم القدسي الشريف، وكانت مساحتها –قديما– تقدر بحوالي 55 دونمًا، تسقيها عين أم الدرج، وبمرور الزمن أخذت المدينة تتوسع شيئًا فشيئًا ناحية مرتفع بيت الزيتون "بزيتا" في الشمال الشرقي، ومرتفع ساحة الحرم "مدريا" في الشرق، ومرتفع "صهيون" في الجنوب الغربي، وهذه المرتفعات اليوم تقع كلها داخل السور أو ما يعرف بالبلدة القديمة ومساحتها حوالي كيلومتر واحد، وهي التي توجد فيها المقدسات الخاصة بالأديان السماوية الثلاثة [42]. والقدس القديمة أو العتيقة مساحتها 8.71 دونما، وطول سورها 4.20 كيلومتر، وتقوم على أربعة جبال هي: الوريا وصهيون وأكرا وبزيتا، أما الحرم القدسي فيقع في الجنوب الشرقي للقدس القديمة فوق جبال الموريا [43].

مدينة بيت المقدس قديمًا وحديثًا:

يصف ياقوت الحموي ما شاهده في بيت المقدس في أثناء تطوافه لجمع مادة كتابه، فيقرر أن أرضها وضياعها وقراها كلها جبال شامخة، وليس حولها ولا بالقرب منها أرض واطئة، والناس تزرع فيها على الجبال مستخدمين الفؤوس لا الدواب في الحرث. أما المدينة نفسها: فهي على فضاء من الأرض وسط هذه الجبال المحيطة بها، وأرضها حجارة مرصوفة بالأحجار مأخوذة من الجبال التي هي عليها، وفيها الكثير من الأسواق والعمارات الحسنة [44].

وفي المدينة مغاور كثيرة ومواضع يطول عددها، مما يزار ويتبرك به، ويشرب أهل المدينة من ماء المطر، ليس فيها دار إلا وفيها صهريج خزان ولكن مياهه غير نظيفة أحيانا، وتمتاز دروب المدينة أنها من الأحجار، مما يحفظ نظافة المياه بدرجة كبيرة، فليس فيها الدنس الكثير. وفيها ثلاث برك بحيرات صغيرة للماء العذب، وهي: بركة بني إسرائيل، وبركة سليمان عليه السلام، وبركة عياض عليها حمامات أهل المدينة، والمقصود بالحمامات: هي الحمامات العامة التي كان يرتادها الناس للاستحمام، والتطيب، وهي غير حمامات البيوت، وما زالت بعض المدن الإسلامية توجد بها هذه الحمامات العامة [45].

أما مناخ بيت المقدس، فيصفه أبو عبد الله البشاري المقدسي: "هي متوسطة الحر والبرد،، قلّ ما يقع فيها ثلج. ويروي ياقوت الحموي: سألني القاضي أبو القاسم عن الهواء بها، فقلت: سجسج لا حر ولا برد أي معتدل. فقال: هذه صفة الجنة. قلت: بنيانهم حجر، لا ترى أحسن منه، ولا أنفس منه ولا أعف من أهلها ولا أطيب من العيش بها، ولا أنظف من أسواقها ولا أكبر من مسجدها، ولا أكثر من مشاهدها" [46].

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير