دخل على داود بعض أصحابه، فرأى جرة ماء، قد انبسطت عليها الشمس، فقال له: ألا تحملها إلى الظل؟ فقال: حين وضعتها لم يكن شمس، وأنا أستحي من الله أن يراني أمشى لما فيه حظ نفسي.
الحياء منع مالكا رحمه الله من ركوب الدواب على تراب المدينة
حكي أن الإمام مالك رحمه الله كان لا يركب في المدينة دابة، ويقول: أستحي من الله أن أطأ تربة فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بحافر دابة.
و الحياء جمال للوجه و زينة للنظر فإن الحسن موصولٌ بالحياء، لهذا قلّما ترى التجليح في ذي الوجه الصبيح، ومتى تمّ حياء الوجه تمت زينته ورقّ عليه اللسان عن الزلل و ضاق الصدر عن فعل القبيح و صار ذلك سبباً للرحمة وداعية إلى الفلاح و النجاح و مع ذلك فالحسن حسن الفعال و الجمال جمال القلوب و إذا زاد الحياء كان ذلك حسنا على حسن و جمالا على جمال الوجه و القلب.
وصف لأحد الأكابر العلماء
الإمام ابن العربي رحمه الله
كان رحمه الله من أهل العلم والدين والفضل، طلق الوجه، حسن السير، كثير الحياء، كأنك إذا كلمته تخاطب البكر العذراء، لا تلقاه إلا مبتسماً، في حسن سمت، وفضل هوىً، وجميل وقار، كثير الخشوع، وخصوصاً عند الدهول في الصلاة. لسان الدين بن الخطيب: الإحاطة في أخبار غرناطة.
وقال بعضهم: الوجه المصون بالحياء كالجوهر المكنون في الوعاء.
و قال بعضهم: المعرفة تملأ القلب مهابةً و مخافة، و العين عبرة وعَبرة، والوجه حَياءً و خَجلة، والصدرَ خشوعاً وحُرمة، و الجوارحَ استكانةً و ذلّةً، و طاعةً و خدمة، واللسانَ ذِكراً وحمداً، والسمع و يختلسها كرور الأنفاس واللحظات.
قال النبي صلى الله عليه و سلم: (ما كان الفحش في شيء إلا شانه، وما كان الحياء في شيء إلا زانه) صحيح الترغيب: 2635
و الحياء أيضا على ثلاث أقسام:
حياء من الخالق سبحانه، و يكون ذلك بتقواه حق التقوى، و بمراقبته جل و علا، فلا يراك الله تعالى حيث نهاك و زجر، و لا يفتقدك حيث أمرك و أرادك لفعله، قال النبي صلى الله عليه و سلم: (استحيوا من الله حق الحياء قال: قلنا يا نبي الله! إنا لنستحيي والحمد لله قال: ليس ذلك، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء؛ أن تحفظ الرأس وما وعى، وتحفظ البطن وما حوى، ولتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك؛ فقد استحيا من الله حق الحياء) صحيح الترغيب: 3337
قال الإمام ابن القيم: ولما كان الحياء من شيم الأشراف وأهل الكرم والنفوس الزكية: كان صاحبه أحسن حالا من أهل الخوف ولأن في الحياء من الله ما يدل على مراقبته وحضور القلب معه ولأن فيه من تعظيمه وإجلاله ما ليس في وازع الخوف. مدارج السالكين (2/ 165)
قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: (إني لأدخل البيت المظلم أغتسل فيه من الجنابة فأحني فيه صلبي حياء من ربي)
قال الشاعر:
بباب عز اللّه أوقفت الأمل ((())) أخرسني الحياء من سوء العمل
الحياء من الله تعالى يورث الذل و الإنكسار والخشية من الله و تذكر يوم القيامةنظر بو مسلم الخشوعي فأطال النظر، فقال: إنَّ في خَلْقِ السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب. ثم قال: سبحان الله! ما أهجمَ طَرفي على مكروه نفسه، وأدمَنه على تسخّط سيده، وأغراه بما نهى عنه، وألْهَجه بما حذّر منه! لقد نظرت إلى هذا نظراً شديداً خشيتُ أنه سيفضحني عند جميع مَنْ يعرفني في عَرصَة القيامة؛ ولقد تركني نظرِي هذا وأنا أَسْتَحِي من الله تعالى إن غفر لي! ثم صعق.
فالحياء الحق، هو حفظ النفس عما يشوبها من كبائر الذنوب و صغيرها، دقيقها و جليّها، و هذا من تمام الخضوع و الذل لله سبحانه، فلا ترفع رأسك تكبرا، و طهر قلبك من الرياء، و لا تنطق بلسانك إلا خيرا، و لا تقع عيناك على قبيح، و لا تسمع بأذنك إلا أطيب القول و أحسنه، و تعفف عن أكل الحرام، و حصن فرجك من الزنا، و لا تخطو برجلك إلى معصية و لا تقرب بيدك ما ليس لك بحق، وكن كما يحبك الله عز وجل أن تكون، عبدا نقيا تقيا زكيا و راضيا بما قسم لك و مرضيا مهديا.
¥