تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

88 - قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْمُسْتَبَّانِ مَا قَالَا فَعَلَى الْبَادِئ مَا لَمْ يَعْتَدِ الْمَظْلُوم)

مَعْنَاهُ أَنَّ إِثْم السِّبَاب الْوَاقِع مِنْ اِثْنَيْنِ مُخْتَصّ بِالْبَادِئِ مِنْهُمَا كُلّه إِلَّا أَنْ يَتَجَاوَز الثَّانِي قَدْر الِانْتِصَار، فَيَقُول لِلْبَادِئِ أَكْثَر مِمَّا قَالَ لَهُ. وَفِي هَذَا جَوَاز الِانْتِصَار، وَلَا خِلَاف فِي جَوَازه، وَقَدْ تَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ دَلَائِل الْكِتَاب وَالسُّنَّة. قَالَ اللَّه تَعَالَى: {وَلَمَنْ اِنْتَصَرَ بَعْد ظُلْمه فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيل} وَقَالَ تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمْ الْبَغْي هُمْ يَنْتَصِرُونَ} وَمَعَ هَذَا فَالصَّبْر وَالْعَفْو أَفْضَل. قَالَ اللَّه تَعَالَى: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْم الْأُمُور} وَلِلْحَدِيثِ الْمَذْكُور بَعْد هَذَا. " مَا زَادَ اللَّه عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا " وَاعْلَمْ أَنَّ سِبَاب الْمُسْلِم بِغَيْرِ حَقٍّ حَرَام كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " سِبَاب الْمُسْلِم فُسُوق " وَلَا يَجُوز لِلْمَسْبُوبِ أَنْ يَنْتَصِر إِلَّا بِمِثْلِ مَا سَبَّهُ مَا لَمْ يَكُنْ كَذِبًا أَوْ قَذْفًا أَوْ سَبًّا لِأَسْلَافِهِ. فَمِنْ صُوَر الْمُبَاح أَنْ يَنْتَصِر بِيَا ظَالِم يَا أَحْمَق، أَوْ جَافِي، أَوْ نَحْو ذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَا يَكَاد أَحَد يَنْفَكّ مِنْ هَذِهِ الْأَوْصَاف. قَالُوا: وَإِذَا اِنْتَصَرَ الْمَسْبُوب اِسْتَوْفَى ظُلَامَته، وَبَرِئَ الْأَوَّل مِنْ حَقِّهِ، وَبَقِيَ عَلَيْهِ إِثْم الِابْتِدَاء، أَوْ الْإِثْم الْمُسْتَحَقّ لِلَّهِ تَعَالَى. وَقِيلَ: يَرْتَفِع عَنْهُ جَمِيع الْإِثْم بِالِانْتِصَارِ مِنْهُ، وَيَكُون مَعْنَى عَلَى الْبَادِئ أَيْ عَلَيْهِ اللَّوْم وَالذَّمّ لَا الْإِثْم.

وانتبه للإشارة اللطيفة التي أشار إليها النووي:

(وَلَا يَجُوز لِلْمَسْبُوبِ أَنْ يَنْتَصِر إِلَّا بِمِثْلِ مَا سَبَّهُ مَا لَمْ يَكُنْ كَذِبًا أَوْ قَذْفًا أَوْ سَبًّا لِأَسْلَافِهِ)

وإذا رجعنا للحديث الذي عرضته وهو:

(إن الله أوحى إلى أن تواضعوا حتى لا يبغى أحد على أحد ولا يفخر أحد على أحد فقلت: يا رسول الله أرأيت لو أن رجلا سبنى في ملإ هم أنقص منى فرددت عليه هل على في ذلك جناح, قال: المستبان شيطانان يتهاتران ويتكاذبان

رواه البخاري في "الأدب المفرد" وقال الشيخ الألباني: صحيح)

وقد أشار الاخوة الأفاضل قبلي إلى مسألة وهي اختلاف الحال.

وفعلا الحال هنا مختلف.

فقد قال السائل:

(لو أن رجلا سبنى في ملإ هم أنقص مني)

فهل يحق له أن يقول هذه العبارة؟، مع ملاحظة كون الزمان زمان تشريع.

ثانيا: وإذا انتبهنا لما قاله صلى الله عليه وسلم سنرى أنه قال:

(المستبان شيطانان يتهاتران ويتكاذبان)

انظر ها هو عليه السلام يبين الحالة الخاصة التي قصدها، حالة الاعتداء (يتكاذبان)، وانتبه للحديث التالي، وكيف شرحه ابن حجر رحمه الله:

"عن شُعْبَةُ عَنْ زُبَيْدٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا وَائِلٍ

عَنْ الْمُرْجِئَةِ فَقَالَ:

حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ

قَوْله: (سِبَاب)

هُوَ بِكَسْرِ السِّين وَتَخْفِيف الْمُوَحَّدَة، وَهُوَ مَصْدَر يُقَال: سَبَّ يَسُبّ سَبًّا وَسِبَابًا، وَقَالَ إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ: السِّبَاب أَشَدّ مِنْ السَّبّ، وَهُوَ أَنْ يَقُول الرَّجُل مَا فِيهِ وَمَا لَيْسَ فِيهِ يُرِيد بِذَلِكَ عَيْبه. وَقَالَ غَيْره: السِّبَاب هُنَا مِثْل الْقِتَال فَيَقْتَضِي الْمُفَاعَلَة، وَقَدْ تَقَدَّمَ بِأَوْضَح مِنْ هَذَا فِي بَاب الْمَعَاصِي مِنْ أَمْر الْجَاهِلِيَّة."

وتذكر: قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق: (يتكاذبان)

والله أعلى وأعلم وأحكم.

ـ[عبد الرشيد الهلالي]ــــــــ[17 - 10 - 08, 11:21 م]ـ

الحمد لله.أما أنا فلا تعارض بين الحديثين اللذين أوردهما الأخ أبو يوسف. فالحديث الأول يرشد إلى أن إثم السباب بين المتسابين يقع على الذي ابتدأالسب ما لم يعتد المسبوب ويتجاوز الحد المأذون للسباب وهو المقتضي للمماثلة (وجزاء سيئة سيئة مثلها) فمتى وقع التجاوز والاعتداء {كأن يسبه فيسبه ويزيد عليه فيسب أباه وأمه وزوجته ... } فهما الشيطانان المتهاتران الكذابان كما في الحديث الآخر.

وقد سبت إحدى أمهات المؤمنين ــ أظنها زينب ــ أم المؤمنين عائشة بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم وعائشة لا تسبها فلما رأت أن رسول الله لا يكره لها الانتصار سبتها حتى أفحمتها وجعل التبي يبتسم ويقول: إنها ابنة ابي بكر.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير