الصحابي وهذا فرق ظاهر وطريقة مقصودة؛ فكأن الإمام أحمد يقول: هذا عمرو بن شعيب يروي حديثاً في الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه أنه حلية أهل النار؛ وبذا أحال الإمام أحمدُ السائلَ الأثرمَ - وهو إمام في الفقه والحديث والعلل - على مذهبه في عمرو بن شعيب، يتقوَّى كلُّ ماتقدم إن علمنا موقف الإمام أحمد من مرويات عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده؛ فقال أبو الحسن الميمونى: سمعت أحمد بن حنبل يقول: (عمرو بن شعيب له أشياء مناكير، و إنما يُكْتَبُ حديثُه يُعتبَرُ به، فأمَّا أن يكون حجة فلا)، و قال أبو بكر الأثرم: سئل أبو عبد الله عن عمرو بن شعيب، فقال: (أنا أكتب حديثه، و ربما احتججنا به، و ربما وجس فى القلب منه شىء، و مالك يروي عن رجل عنه)، وقال أبو داود عن أحمد بن حنبل: (أصحاب الحديث إذا شاءوا احتجوا بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، و إذا شاءوا تركوه)، - قال الذهبي معلقاً على عبارة الإمام أحمد المتقدمة -: (هذا محمول على أنَهم يتردّدُون في الاحتجاج به، لا أنهم يفعلون ذلك على سبيل التشهِّي) ا. هـ.
فهذا موقف الإمام أحمد من مرويات عمرو بن شعيب وعند تأملها نجد موقفه هذا متوافق مع الحديث الذي بين أيدينا وكيف تعامل معه الإمام رحمه الله، وأما ما نقله الترمذي عن البخاري عن ابن المديني وأحمد وإسحاق وأبي عبيد أنهم يحتجون بخبر عمرو بن شعيب ولا يتركونه، فهذا النقل تعرض الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء لردِّه بوضوح؛ ويمكن أن يُرْجَعَ إليه في ترجمة عمرو بن شعيب من السير.
هذا آخر ما ظهر لي في جواب هذا السؤال، وإن كان ابن مفلح وابن رجب يجزمان باحتجاج الإمام أحمد بحديث عمرو بن شعيب هذا، بل بالغ ابنُ مِفْلِح وذكرَ أن الإمامَ أحمد يحتج بخبر بريدة، وهذا بعيد والغالب أنه نشأ بسبب نقل ابن مفلح لسؤال الأثرم وجواب الإمام بالمعنى؛ والله أعلم.
** وقال الإمام أحمد في مسنده: حدثنا سُرَيْجٌ حدثنا عبد الله بن المؤمَّل عن ابن أبي مُلَيْكَة عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه: أنه لبس خاتماً من ذهب فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه كرهه فطرحه، ثم لبس خاتماً من حديد، فقال: هذا أخبث وأخبث فطرحه، ثم لبس خاتماً من وَرِقٍ فسكت عنه.
- سُرَيْجٌ: هوسريج بن النعمان بن مروان الجوهرى اللؤلؤى، أبو الحسين البغدادى، أصله من خراسان، من العاشرة،توفي سنة 217 هـ، روى له الجماعة إلا مسلماً، وثقه ابن معين وابن سعد والدارقطني وابن حبان والذهبي، ووثقه أبو داوود، وزاد: (حدثنا عنه أحمد بن حنبل، غلط في أحاديث)، وقال النسائي: ليس به بأس، وفي التقريب: ثقة يهم قليلاً.
- عبد الله بن المؤمل: هو عبد الله بن المؤمل بن وهب الله القرشى المدني ويقال: المكي، من السابعة، توفي سنة 160 هـ، ضعفه عامة الأئمة وجزموا بنكارة حديثه بل ترك بعضهم حديثه لكثرة النكارة فيها، وقد ذكر ابن عدي في الكامل أحاديث كثيرة منكرة لابن المؤمل ثم قال: ((ولابن المؤمل هذا غير ما ذكرت من الحديث، وعامة ما يرويه الضعف عليه بَيِّن)) ا. هـ.
- ابن أبي مليكة: هو عبد الله بن عبيد الله بن أبى مُليكة المكي، من الثالثة، توفي سنة 117 هـ، من رجال الجماعة، ثقة فقيه، وحديثه عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه في الصحيحين.
- هذا الحديث: إسناده ضعيف، والنكارة فيه ظاهرة من ابن المؤمل إذ جعله من حديث ابن أبي مُليكة عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، بينما رواه الثقات الأثبات من أصحاب ابن عجلان عن ابن عجلا فجعله من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وابن المؤمل ممن أخذ عن عمرو بن شعيب فلعله دخل عليه حديثُ عمرو بن شعيب بحديث ابن أبي مُليكة، فلا قيمة لهذه المتابعة إذ الأظهر أن المعروف طريق عمرو بن شعيب، وطريق ابن المؤمل عن ابن أبي مليكة خطأٌ.
3. وقال الإمام أحمد في مسنده: حدثنا عفان حدثنا حماد أنبأنا عمار بن أبي عمار أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في يد رجل خاتما من ذهب فقال: " أَلْقِ ذا "، فألقاه، فتختم بخاتم من حديد، فقال: " ذا شرٌ منه "، فتختم بخاتم من فضة فسكت عنه.
¥